للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الخطاب شاكيا فلما وصل الكتاب إلى الخليفة كتب إلى سعد ما نصه تعمد إلى زهرة وقد وصل إلى ما وصل إليه وقد بقي عليك عدوك ما بقي أن تكسر قرنه وتفسد قلبه، أوف له سلبه وفضله على أصحابه بالعطاء بخمسمائة، أنا أعلم بزهرة منك وإن زهرة لم يكن ليغيب من سلب سلبه شيئًا وإني قد فضلت كل من قتل رجلًا سلبه فدفعه أبيه فباعه بسبعين ألفًا. وقد أخبرنا (١) المؤرخون أن أبطال الفداء من المسلمين يوم القادسية فضل كل واحد منهم بزيادة قدرها خمسمائة في أعطياتهم وإن عددهم بلغ خمسة وعشرين فدائيا وفي طليعتهم زهرة بن عمرو التميمي.

وهكذا كوفئ هذا القائد الفذ الذي خلَّد لقومه ذكرا جميلًا في الإسلام حيث أنصفه الخليفة الجرئ في عدله الحكيم في تصرفه بل ضاعف له المكافأة، والجزاء على قدر العمل والثواب بقدر المشقة، فلم ير سعد غضاضة في تنفيذ أمر الخليفة عمر وأن يختار زهرة ويوجهه إلى متابعة النصر للإسلام في بلاد الفُرس وبمثل زهرة خفقت راية الإسلام على ممالك العالم فما زال هذا الشجاع يبذل إخلاصه وقوته وخبرته ودمه في سبيل الله حتى استشهد في سنة ٧٧ هـ (٢) - ٦٩٦ م، وهو شيخ كبير ولسان حاله يقول:

ولست أبالي حين أقتل مسلما … على أي جنب كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله فإن يشأ … يبارك على أشلاء شلو ممزع

وبعد فتح المدائن أمر زهرة بن حوية أن يذهب عسكره ويتبع المنهزمين فانتهى إلى جسر النهروان وعليه كثير من الفُرس بأعظم عدة وأحسن زينة، وهم يتزاحمون وفي أثنائها وقع بغل في الماء تكاثروا عليه ووقع بغل آخر فصاروا في هرج ومرج فقال زهرة: إن لهذا البغل لشأن وما تكالبوا عليه إلا لأمر ما مع ما في قلوبهم من الهلع والخوف فاحملوا عليهم حملة رجل واحد وابذلوا فيهم السيوف فحمل المسلمون عليهم حملة صادقة وقتلوا منهم أناسا كثيرين وولى


(١) انظر: بني تميم ومكانتهم في الأدب والتاريخ ص ٢٥١.
(٢) المصدر السابق ص ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>