للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رأى ذلك وثب على البكريين فجعل يأخذ الرجلين فيضربهما ببعضهما ويناطح بين رأسيهما فانتهى إلى تفريق قوم السارق.

وتحدث (١) رجل من بني مازن بن عمرو بن تميم فقال: كنت يومًا مع هلال فدفعنا إلى قوم من بكر وقد طوينا وعطشنا وإذا نحن بفتية قد وردت إبلهم، فلما رأوا هلالًا استهانوا به لخلقته وقامته فاقترح أحدهم عليه أن يتصارعا فاعتذر بجوعه وأنَّه ضيف عندهم وخير من هذا أن تعدوا لي أشد فحل من إبلكم وأهيبه صوله وإلى رجل منكم أشد ذراعه فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل والبعير حتى أدخل يد الرجل في فم البعير.

فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني وإن فعلت علمتم أن صراع أحدكم أيسر من ذلك فعجبوا من مقالته وأومأوا إلى فحل هائج صائل من إبلهم فأتي هلال ومعه نفر من أولئك القوم وشيخ لهم فأخذ إبهامه فوضعه مما فوق مشفر الفحل فضغطها ضغطة شديدة جرجر الفحل منها واستخذى ورغى ثم قال ليعطني من أحببتم يده أولجها في فم هذا الفحل فقال الشيخ يا قوم تنكبوا هذا الشيطان. والله ما سمعت الفحل يجرجر منذ دخل في سنة التاسعة قبل اليوم فلا تعرضوا لهذا الشيطان وجعلوا يعجبون وينظرون إلى خطوه ويعجبون من طول أعضائه حتى جازهم وكان مع هذا شاعرًا.

هذه الغرائب هي أشبه بالأقاصيص (٢) وإن كان هناك ما يثير تعجب بعد ما تقدم لكونه شاعرا لأن الشعر خيال ورقة شعور ووحدة إحساس والشعراء يسجلون بأعصابهم المرهفة في قلوبهم كل ما يصادفهم من حوادث فيصيبهم الضمور والانكماش الجسمي عادة، ولكن هذا كان شاذا بين الشعراء شذوذه بين الأقوياء، ومن أراد الاطلاع على شعره فليرجع إلى كتاب الأصفهاني في أغانيه فقد ذكر من أبياته ٥٥ بيتًا ومنها بعدما قتل رجلًا من بني جلان العنزيين من ربيعة كان جارًا لمعاذ بن حيدة بن رزام المازني التميمي فطالبوه بالقصاص ولم يفده تضرعه لهم ففر منهم إلى اليمن وقال ينصحهم:


(١) انظر: المصدر السابق ص ٢٦٨.
(٢) انظر: بني تميم ومكانتهم في الأدب والتاريخ ص ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>