للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحضروا له قربة ماء ففرغها كلها في جوفه ثم قام فخرج والنّاس في ذهول من صنيعه ثم استعادوا الأكل بعده. أما طوله فقد قال أبو عمرو بن العلاء: رأيت هلالًا وهو ميت ولم أره وهو حي، فما رأيت أحدًا أطول منه، ونقل الأصفهاني أنه كان عادي الخلق؛ أي عملاقًا ضخم الجسم شبهه الناس بأهل عاد المذكورين في القرآن.

أما قوته الرهيبة التي كانت مثار العجب للناس جميعًا الذين كانوا في عصره حيث إنه لما قدم إلى المدينة وسمع به الوالي الأموي فاستدعاه فلما مثل بين يديه رأى بجانبه رجلًا أصفر لم ير قط أشد منه خلقا ولا أغلظ منه عنقا ما يعرف طوله من عرضه فقال الأمير للأسعري: إن هذا العبد لم يترك في المدينة رجلًا إلا صرعه فخذ بثأر العرب فأجابه: جعلني الله فداك يا أيها الأمير إني لتعب وجائع الآن فإن رأى الأمير أن يتركني اليوم حتى أضع عن رحلي (إبلي) وأؤدي أمانتي وأريح يومي هذا وأجيئه غدًا فليفعل، فأمر الأمير أعوانه فانطلقوا معه إلى إبله وأراحوها وأدى أمانته ثم ذهبوا به إلى المطبخ فأشبعوه فقال هلال: ولما جاء الغد (١) قدمت إلى بيت الأمير وإذا عليه يعني الأمير ملابس صوف وكساء غليظ مهلهل مربع أخضر فسلمت عليه فرد علي السلام وقال للأصفر قم إليه، فقد أرى أنه أتاك الله بما يخزيك فقال لي العبد البس الإزار يا أعرابي فقلت له ليس عندي إزار فدعا الأمير بملحفة ما رأيت ولا لبست مثلها والتحفت بها وأخذ العبد يدور حولى وأنا منه وجل أي خائف ولا أدري كيف أصنع به ودنا مني فنقد جبهتي بظفره نقدة حتى ظننت أنه قد شجني فغاظني ذلك، فجعلت أنظر إلى خلقه وبما أقبض منه فما وجدت في جسمه شيئًا أصغر من رأسه فوضعت إبهامي في صدغه وأصابعي الأخرى في أصل أذنيه ثم غمزتها غمزة صاح منها قائلًا قتلني قتلني: فقال الأمير أغمز رأس العبد في التراب فقلت لك، فضحك الأمير حتى استلقى وأمر لي بجائزة وكسوة وانصرفت وقد أخذت بثأر العرب من هذا العبد.

وكان قمير بن سعد مشرفًا على جميع الصدقات من البكريين فوجد عندهم رجلًا سرق صدقة فأخذه ليحبسه فحال قوم السارق بينهما. وكان هلال حاضرًا


(١) انظر: بني تميم ومكانتهم في الأدب والتاريخ ص ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>