وبعد مصرع النعمان بن المنذر ملك العرب من قبل الفُرس طارت أفئدة الأعداء هلعا، فجمع رستم الملوك والأساورة وملوك الديلم في خيمته وأخذ يحرضهم على العرب، فقاموا واستعدوا ورتبوا صفوفهم، وجعل رستم ملوك الفُرس عن يمينه، وملوك الديلم عن يساره، ووقف هو في القلب، ودارت به الأساورة، فلما جن الليل هرب من عسكر رستم جماعة إلى عسكر المسلمين، فلما أصبح علم بالخبر فطلبهم من المسلمين فأبوا أن يردوا اللاجئين فغضب وأمر جيوشه بالزحف فرآهم القعقاع بن عمرو التميمي فقال يخاطب سعد بن أبي وقاص: أيها الأمير، قد تقدمت الأعداء والفيلة أمامهم، ولا مقام لحيل العرب عند رؤيتها وصياحها، فثبتهم سعد وأوصاهم، فجاءت الفيلة كأنها جبال وعلى ظهورها الأبطال، فقتلت من عسكر المسلمين ولم تثبت لها خيلهم، فلما كفى الله المؤمنين شر الفيلة أخذ سعد يحرض على القتال فلقيه (الأسود العنسي) وهو طائش العقل فسأله: ما وراءك يا ابن قيس؟ فقال أيها الأمير إياك أن تعبر للصف فإن فيه الموت الأحمر، وهو جبار من الفُرس، وقد قتل من المسلمين أربعة، فوبخه سعد، ولم يكد ينتهي حتى لقيه (خالد بن جعفر) وقد تغير لونه فقال له، ما وراءك يا ابن جعفر؟ فقال: الثعبان الأغبر، فارجع عنه أيها الأمير، فهو فارس علج عنيد، وقبل أن ينتهي تقدم (سعد العشيرة) فسأله كما سأل من قبله فقال: ورائي جبار لا يقاتل، وتلاه (بشر بن ربيعة) فقال: ما وراءك يا ابن الربيعة؟ فقال: ما قصر (القعقاع) وهو يفرق الكتائب، ويصدم المواكب، فقال: لله درك يا ابن عمرو، وأين فارس الفُرس؟ وكيف خلص من يدك؟ فقال: أيها الأمير لولا أن دخل الصفوف لسقيته كأس الخوف، وغاص وسط الخيل، ولم أبلغ منه النيل.
وفي اليوم التالي كان أول من فتح الحرب (رستم) فقد طلب البراز، فخرج إليه اثنان من عسكر المسلمين فصرعهما الواحد بعد الآخر، فأراد (القعقاع) أن يخرج، وإذا بفارس قد أقبل كالعاصفة فصاح برستم صيحة أدهشته ثم طعنه في خاصرته فأطلع السنان من الخاصرة الأخرى، فنظر إليه سعد فإذا هو (أبو محجن الثقفي) الذي حده سعد بالأمس في شرب الخمر.