يزدجر إلى بلخ فاتبعه الأحنف، وهناك هزم يزدجر وعبر النهر، وكتب الأحنف إلى الخليفة بفتح خراسان.
فقال الخليفة عمر: والله لوددت أني لم كن بعثت إليها جندا ولوددت أن بيننا وبينها بحرا من نار.
فقال على: ولم يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: لأن أهلها سينفضون منها ثلاث مرات فيحتاجون في الثالثة، فكان أن يكون ذلك بأهلها أحب إليَّ من أن يكون بالمسلمين.
وقال لما بلغه غلبة الأحنف على مرو وبلخ: وهو الأحنف وهو سيد أهل المشرق بغير اسمه، ثم كتب له: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فلا تجوزن النهر واقتصر على مادونه وقد عرفتم بأي شيء دخلتم على خراسان، فداوموا على الذي دخلتم به، يوم لكم النصر، وإياكم أن تعبروا فتنفضوا.
ولكن المشركين عادوا وعبروا النهر حتى نزلوا بالأحنف، فخرج الأحنف في عسكره ليلا يتسمع، فلعله يسمع رأيا من أحد جنوده، ينتفع به، فمر برجلين من جنده ينقبان علفا، وأحدهما يقول لصاحبه: لو أن الأمير الاْحنف أسندنا إلى ظهر هذا الجبل، فكلان النهر بيننا وبين عدونا خندقا، وكان الجبل في ظهورنا من أن نؤتي من خلفنا، وكان قتالنا من وجه واحد، رجوت أن ينصرنا الله، فلما أصبح جمع الأحنف الناس ثم قال:
إنكم قليل وإن عدوكم كثير، فلا يهولنكم، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة، والله مع الصابرين، ارتحلوا من مكانكم هذا فأسندوا إلى هذا الجبل فاجعلوه في ظهوركم واجعلوه بينكم وبين عدوكم وقاتلوهم من وجه واحد، ففعلوا، وقد أعدوا ما يصلحهم في عشرة آلاف من أهل البصرة وفي نحو منهم من أهل الكوفة. وأقبلت الترك ومن أجلبت حتى نزلوا بهم، فصاروا يغادونهم ويرواحونهم ويتنحون عنهم في الليل، ما شاء الله.
وطلب الأحنف علم مكانهم بالليل، فخرج ليلة طليعة لأصحابه، حتى كان قريبا من عسكر خاقان أمير العدو، فوقف، فلما كان في وجه الصبح خرج فارس