وكانت القوافل والتجار يتنقلون في البلاد آمنين فقد بنى الحصون والمحارس على سواحل البحر الأبيض المتوسط حتى الإسكندرية.
وعزم على الحج فرد المظالم وأظهر الزهد والنسك وعلم أنه إن جعل طريقه إلى مكة المكرمة على مصر منعه صاحبها ابن طولون فتجري بينهم الحرب ويقتل المسلمون فجعل طريقه على جزيرة صقلية ليجمع بين الحج والجهاد بفتح ما بقي من حصونها فأخرج جميع ما ادخره من المال والسلاح وسار إلى سوسه سنة ٢٨٩ هـ فدخلها وعليه فرو مرقع في زي الزهاد ومنها أبحر في أسطوله إلى صقلية فملك المدن وأظهر العدل وأحسن إلى الرعية وتوجه إلى طبرمين فاستعد أهلها لقتاله وخرجوا إلى ملاقاته فالتقوا فقرأ قارئ القرآن {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} [الفتح: ١]، فقال إبراهيم اقرأ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ … (١٩)} [الحج] .. اللهم إني أخصم أنا والكفار إليك في هذا اليوم.
وحمل ومعه أهل البصائر فهزم الكفار وقتلهم المسلمون كيف شاؤوا ودخلوا طبرمين عنوة ولما اتصل الخبر بملك الروم، عظم عليه وبقي سبعة أيام لا يلبس تاجه وقال: لا يلبس التاج محزون.
وتحركت الروم وعزموا على المسير إلى صقلية لمنعها من المسلمين فبلغهم أن إبراهيم سائر إلى القسطنطينية فترك الملك بها عسكرا عظيما وسير جيشا كبيرا إلى صقلية.
أما الأمير إبراهيم فقد بث السرايا في مدن صقلية وبعث سرايا إلى المدن الأخرى فأذعن أهلها جميعا إلى أداء الجزية فلم يجبهم إلى ذلك ولم يقبل منهم غير تسليم حصونهم فرضخوا وسلموها فهزمها وسار إلى كستنة فجاءته الرسل منها يطلبون الأمان فلم يجبهم.
وكان قد ابتدأ به مرض الذرب ونزلت عساكره على المدينة ولكنهم لم يجدوا في قتال الروم لغيبة الأمير عنهم لشدة مرضه وامتناع النوم عنه وحدث به مرض الفواق فمات سنة ٢٨٩ هـ فاجتمع أهل الرأي من العسكر أن يولوأمرهم غيره وجعلوا جثمانه في تابوت وحملوه إلى أفريقية ودفنوه بالقيروان.