كانت ولاية إبراهيم خمسا وعشرين عاما، وكان عاقلا حسن السيرة محبا للخير والإحسان تصدق بجميع ما يملك ووقف أملاكه جميعها.
وكانت له فطنة بإظهار خفايا المعاملات ومنها أن تاجرا من أهل القيروان كانت له امرأة جميلة صالحة عفيفة اتصل خبرها بوزير الأمير إبراهيم فأرسل إليها فلم تجبه فاشتد غرامه بها وشكا حاله إلى عجوز كانت تغشاه ولها منزلة عند الأمير لأنها كانت موصوفة بالصلاح والناس يتبركون بها ويسألونها الدعاء، فقالت للوزير العاشق: أنا أتلطف بها وأجمع بينكما، وراحت إلى بيت المرأة وقرعت الباب وقالت: قد أصاب ثوبي نجاسة، أريد تطهيره.
فخرجت المرأة ورحبت بها وأدخلتها وطهرت ثوبها وقامت العجوز تصلي فعرضت عليها الطعام فاعتذرت بالصوم وأوعدت أن تزورها.
وزارتها مرة فقالت: عندي فتاة يتيمة أريد أن أحملها إلى زوجها فإن خف عليك إعارة حليتك أجملها بها؟
ففعلت امرأة التاجر وأحضرت جميع حليها وسلمتها للعجوز فأخذتها وانصرفت وغابت أياما، ثم جاءت فقالت لها المرأة: أين الحلي؟ فقالت العجوز هو عند الوزير عبرت عليه فأخذه وقال: إنه لا يسلمه إلا إليك فتنازعتا وخرجت العجوز وجاء الزوج التاجر فأخبرته زوجته الخبر، فحضر دار الأمير إبراهيم وقص عليه ما جرى، فدخل الأمير على والدته وسألها عن العجوز فقالت: هي تدعو لك، فأمر بإحضارها ليتبرك بها، فأحضرتها أمه، فأكرمها وأقبل عليها وانبسط معها وأخذ خاتما من إصبعها وجعل يقلبه ويعبث به، ثم أحضر رجلا من خاصته وقال له: انطلق إلى بيت العجوز وقل لابنتها تسلمك الحق الذي فيه الحلي وصفته كذا وهذا الخاتم علامة منها.
فمضى الرجل وأحضر الحق، فقال الأمير للعجوز: ما هذا؟
فلما رأت الحق سقط في يدها فقتلها الأمير ودفنها في الدار وأعطى الحق لصاحبه وأضاف إليه شيئا آخر، وقال له: أما الوزير فإني انتقمت منه الآن ينكشف الأمر ولكن سأجعل له ذنبا آخذه به وقد فعل.