يخرجون إلينا إلا إذا شاءوا ولا يقدر المسلمون على إخراجهم، وقد ترون الذي فيه المسلمون من التضايق، فما الرأي الذي به نستخرجهم إلى المناجزة وترك التطويل؟
فتكلم عمرو بن ثني وكان أكبر الناس سنا وكانوا يتكلمون على الأسنان. فردوا عليه رأيه. ثم تكلم عمرو بن معد يكرب فردوا عليه رأيه، ثم تكلم طليحة بن خويلد الأسدي فقال: أرى أن نبعث خيلًا لينشبوا القتال فإذا اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطرادًا فإنا لم نستطرد لهم في طول ما قاتلناهم فإذا رأوا ذلك طمعوا وفرحوا فقاتلناهم حتى يقضى الله فيهم وفينا ما أحب. فأمر النعمان القعقاع بن عمرو وكان على المجردة، فأنشب القتال بعد احتجاز من المعجم فأخرجهم من خنادقهم كأنهم جبال، وقد تواثقوا أن لا يفروا وقرن بعضهم بعضًا كل سبعة في قران، وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا. فلما خرجوا نكص ثم نكص واغتنمها الأعاجم ففعلوا كما ظن طليحة وقالوا: هي، هي. فلم يبق أحد إلا من يقوم على الأبواب وركبوهم ولحق القعقاع بالناس وانقطع الفُرس عن حصنهم بعض الانقطاع والمسلمون على تعبية في يوم جمعة صدر النهار وقد عهد النعمان إلى الناس عهده وأمرهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم ففعلوا واستتروا بالحجف من الرمي. وأقبل المشركون عليهم يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراح وشكا بعض الناس ذلك إلى بعض، وقالوا للنعمان ألا ترى ما نحن فيه فما تنتظر بهم؟ ائذن للناس في قتالهم فقال: رويدًا، رويدًا. وانتظر النعمان بالقتال أحب الساعات كانت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلقى العدو فيها، وذلك عند الزوال وتفيؤ الأفياء ومهب الرياح. فلما كان قريبًا من تلك الساعة ركب فرسه وسار في الناس. لفظ ابن جرير (على برذون أحوى قريب من الأرض) قال ووقف على كل راية يذكرهم، ويحرضهم، ويمنيهم الظفر وقال لهم: إني مكبر ثلاثًا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء فاحملوا وإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة فإن قُتل ففلان حتى عدَّ سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة. ثم قال اللهم أعزز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك، وقيل بل قال: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام واقبضني شهيدًا فبكى الناس ورجع إلى موقفه فكبر ثلاثًا والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال، وحمل النعمان والناس معه، وانقضت رايته انقضاض العقاب والنعمان