للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلال ما عنهن سنا النار طافي … بوجار من لادونهن بابهن جيف

مبرهجٍ تسفى عليه السوافي … من خلقته ماطق في ركزة السيف (١)

وتحدث الدكتور الصويان عن رحلته في الشمال وقال: إن الصورة التي تظل عالقة في الذهن والانطباع الذي يبقي بعد أن يزول النصب وأنس التعب هو الكرم الذي يتميز به أهل الشمال عموما وأهل الجبلين خصوصا لا شيء أعز عند ابن الشمال وأحب لنفسه من إكرام الضيف، وتوفير الراحة له فهم لا يزالون ينحرون الإبل لضيوفهم بالإضافة إلى الأغنام ويدفقون السمن عمدا على الطعام مبالغة في إكرام الضيف، وتجد أمام بيوتهم جفانا كالجوابي ودسائع ضخمة يعدونها للولائم.

ومظاهر الكرم عند أهل الجبلين لا تنحصر في نحر الذبائح وتقديم الطعام فالشيء الذي يهز النفس ويمس الشعور هو طقوس الضيافة ومراسيم الاستقبال، فما إن يرى صاحب المنزل ضيفه قادما حتى يحث الخطي لاستقباله بوجه مشرق وأسارير متطلعة وابتسامة عريضة وتنهال من شفتيه كلمات الترحيب التي أعدت خصيصا لهذه المناسبة، ثم يجلس صاحب المنزل ضيفه في مجلس وثير بحيث يتكئ على يده اليسري حتى تكون اليمني حرة لتناول القهوة والطعام ومصافحة القادمين.

ويبادر المضيف بتقديم التمر والسمن إلى ضيفه. وأثناء ذلك يكون أحد أولاده قد حرث الوجار وأشعل النار مستعملا المنفاخ لتأجيجها، وقام بغلي الماء وحمس البن بالمحماسة وسحنه بالهاون بإيقاعات جميلة قلّ من يتقنها في هذا الوقت، ويعتنون بعمل القهوة عناية فائقة، فبالإضافة إلى الهيل يطعمونها بقليل من الزعفران والقرنفل، وحتى طريقة سكب القهوة فن خاص لا يجيده إلا من تمرس فيه (٢).

وهذا الذي يشير إليه الدكتور الصويان من العناية بإعداد القهوة ومن أن لسكبها فنا خاصا نجده يتمثل أصدق التمثيل في قصيدة القهوة للخوير الذي يقول


(١) مبرهج: مفتوح دائما هكذا ورد عند العامة، وفي الفصحي يهرج الشيء إباحة ومكان مبهرج غير حمى فيدخله من يشاء. انظر المعجم الوسيط.
(٢) سعد الصويان: جمع المأثورات الشعبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>