للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عزَّ وجلَّ لهداية البشرية، ونحمد الله على نعمائه أبين فَضَّلنا على سائر خلقه بنبيه خاتم وأشرف المرسلين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم من رب العالمين …

وكما أن النّاس معادن مختلفة تنعكس دائمًا على طباعهم، فقد خلقهم تبارك وتعالى درجات بعضها فوق بعض، سواء في الرزق أو في البنين أو الجاه والسلطان أو في الحسب والأصل الكريم، وهذا التفاوت الطبقي بين النّاس حتى يُعرِّفنا الله الحامد من الساخط، والصالح من الطالح، والكريم من اللئيم، والشجاع من الرعديد، والجيد من الرديء، وحتى تسير مركب الحياة على كوكب الأرض بعبقرية إلهية وحكمة لا يدركها العقل البشري.

وكما يُقال وتؤكد التجربة بأن أصل الإنسان فعله (١)، أي أن الفعال الكريمة هي ترجمة حقيقية واقعية لنقاء الأصل والمعدن، وطيب الجذور، وكرم الحسب والنسب، فالتبر خير المعادن وفعل الرجال بأصلهم كانَ. وهذه بديهية مُسلَّم بها وقد قالها نبينا الكريم: "النّاس معادن وخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام لو فُقِّهوا". وفي نظري أن الفطرة تتغلب دائمًا على طباع النّاس، وتُحرِّك الحميَّة في دمائهم، وتثير النخوة في عقولهم، وتولِّد الإنفة والإباء والشمم في سدوكهم بصفة عفوية تلقائية، وكما يقول المثل العربي: "العرق يمد حتى سابع جد". فحتى لو كان أحدهم أو بعضهم جاهلًا لبعض نسبه، أو حسبه الرفيع، نجد أن الفطرة التي جُبِل عليها ذلك الفرد أو تلك الجماعة مهما كانت عوامل البيئة المحيطة تؤثر قطعًا في السلوك والوجدان، وغالبًا ما نرى بوضوح في مثل هؤلاء، الاعتزاز بالنفس والتحلي بالشِّيم الكريمة والطّوْلات المُشرِّفة التي ترفع الرءوس شامخة، وهذا دائما واضح المعالم عند ذوي المعادن الكريمة، والأحساب الرفيعة، والتي قد تكون مجهولة. لهم ولغيرهم من المخالطين لهم في المجتمع، وهذا لأنَّ المعدن الكريم والنفيس يبقى كما هو ولا يفقد قيمته مهما ران عليه الزمن، فالذهب مهما أحاط به الغُبار نفيس لا يعلوه صدأ، وإعادة البريق إليه وتنقيته سهلة ميسورة ولا تحتاج


(١) يقول المثل العربي: أصل الفتى فعله.
وهناك مثل في معناه يقول: كلّ إناء ينضح مما فيه.
وقال قائل: ما يُبنى البيت إلَّا وله عمد … ولا عماد إذ لَمْ ترس أوتاد

<<  <  ج: ص:  >  >>