إلى كبير عناء ولا غير الحدادين، بل فقط لمسات فنية رقيقة من أهل الجوهر والمعادن الكريمة؛ ولذلك فإن الباحثين والمحققين العرب من ذوي الفطن والنظرة الثاقبة لا يكلِّون ولا يتوانون عن البحث والتنقيب عن أصول وأحساب هذه العشائر أو تلك القبائل، لما أنَّها تشتهر بفعالها المكريمة، وقد يلحقها تضارب أو التباس أو تجنٍ أو تشكيك في نقاء وكرم عنصرها أو شرف نسبها - وحسبها بين العرب -.
والباحثون مهما اختلفوا في التحقيقات أو الإسناد التاريخي بخصوص أنساب أو تاريخ مثل هذه القبائل، فإنهم حتمًا بلا ريب يكملون بعضهم البعض كالبنيان المرصوص. فمن أبدع وتألق في السرد أو البحث عن قبيلة أو عن عدة قبائل معينة، وقد ترك قبيلة أو عدة قبائل أخرى دونما إيضاح في تاريخها أو حسم بيان عنصرها أو نسبها، حيتثذ يهبُّ باحث آخر يكمل ما نقص عنده، ويتألق في ذلك، كما تألق زميله؛ ومن هنا يكون الكمال والإنصاف شاملًا لجميع عناصر المجتمع القَبَلي؛ وهذا العدل من إعطاء كلّ ذي حق حقه، يرضاه الله قطعًا، ويحبه المجتمع وتسعد به نفوس النّاس من أبناء مجتمعنا الذي هو مثل العضو الواحد كما قال النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما معناه: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحُمى. وهكذا نجني الثمرة الطيبة وهي محو الغبن والضغينة بيننا نحن العرب، وأصعب غُبن هو ظلم النّاس في أنسابها أو التعاليِ عليهم رغم رفعتهم، وقال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ … (١١)} [الحجرات: ١١]. فإذا تجنبنا الغُبن بيننا في هذا الشيء كانت نعم المروءة، وأين تكون المروءة إن لَمْ تكن فينا نحن العرب؟! والباحثون هم الذين يحسمون أو يدفعون الظلم في هذا المجال، ولأن الباحث لابد له من التمسك بالحق لأنه قدوة المجتمع كله، فهو وأقرانه يفيضون بنفحات المُثل العليا والعلم، وذلك بعرض تلك الأمور في مصنفات كلّ منهم لكافة طوائف المجتمع، وهكذا العلماء والباحثون هم الذين ينيرون للمجتمع كله ويظهرون الحق، فبهم يهتدي الضال، ويعرف الجاهل ما لم يعرفه عن نفسه أو عشيرته أو مجتمعه ككل بتاريخه وتراثه ومبادئه، والباحثون كالنجوم في السماء كلّ يضيء بقدر علمهُ الذي علَّمه الله له .. وكما أن أي باحث مثله كسائر البشر مُعرَّض للسهو والخطأ