والنسيان وليس معصومًا، ولا يمكن أن يستبد مخلوق بعلم الأنساب أو التاريخ للقبائل القديمة والحديثة جمعاء، كما أن الباحث بشر كسائر البشر، وعقله البشري له طاقة معينة لا يتعداها، وكما أن هناك أنسابًا وتواريخ وأحداثًا لا يمكن أن يضل فيها أحد إلى عين اليقين التام أو التأكيد لها، وسوف تظل مثل هذه الأشياء وحتى يوم القيامة في علم الواحد القهار علَّام الغيوب والذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ومهما أوتي عالم في أي مجال من العلوم من فراسة أو فطنة فلن يصل إلى قطرة في بحر علم الله الذي لا حدود له ولا نهاية، وإنه بقدر مجهود الباحث وراء العلم وبقدر مجالدته وتفكيره يفتح الله على هذا الباحث كما يريد الله له وبقدر معلوم .. فسبحان الوهاب، يمنح لمن يشاء العلم، ويعطي لمن يشاء سحر البيان .. وحلاوة المنطق وجمال التعبير هما نعمة يهبهما الله ويمن بهما على بعض العلماء، لا كلهم، كي يكون علمهم غزيرًا وسلسبيلًا متدفقًا كالدرر، ويلقى في عقول النّاس استحسانًا وتهوي إليه قلوبهم وتتوق إلى النهل منه، والإقبال عليه، وقال النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نفسه الكريمة ما معناه:"أنا مدينة العلم وعليٌّ بن أبي طالب بابها"، وقال أيضًا عن حلاوة المنطق وحسن الكلام:"إن من البيان لسحرًا" صدق رسول الله .. ولا بيان فوق القرآن العظيم الذي أعجز العرب أن يأتوا بآية واحدة مثله، وسيظل يعجزهم إلى آخر الزمان، رغم أن الله أعطاهم الفصاحة والبلاغة ونظم الشعر - بلغة الضاد - التي هي أقوى لغة تكلَّم بها بنو آدم على وجه الأرض، وندعوا ونبتهل إلى العلي القدير ونقول: اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا، وارزقنا بكل حرف من القرآن حلاوة وبكل كلمة كرامة وبكل آية سعادة وبكل سورة سلامة لنا في الدنيا والآخرة.
إن علم النسب من أصعب العلوم الإنسانية والاجتماعية مسلكًا، وأشدها وعورة، ومما يدلُّ على صعوبة هذا العلم الجليل القدر، هو أن أمة كبيرة كأمتنا العربية لَمْ يطرق منها باب هذا العلم سوى عشرات قلائل من الرجال، ومن تقصى منهم فقط هم الذين أفلحوا واشتهروا ونالوا أسمى آيات التشريف، وهم يُعدُّون على الأصابع، وما زالت مخطوطاتهم تُطبع أو تُحقق حتى الآن رغم مرور مئات السنين على بعضهم، وأبرزهم ابن الكلبي وابن حزم وابن خلدون والقلقشندي والسويدي وغيرهم فهم رجالات قلائل، أما أغلب الذين خاضوا في هذا العلم