ما نصه نقلًا عن كتاب وصايا الملوك: وذكروا أن عمرو بن عامر كان أيسر أهل زمانه واكثرهم مالًا وعددا، وضياعا، وكان له ثلثا جنة مأرب، وعمر عمرًا طويلًا، ورزق جماعة من الأولاد، وعاش حتى رأي من نسله ونسل بنيه سبعة آباء، وذكروا أنه تولى الأطراف والثغور الملوك حِمْيَر: عمرو بن أبرهة، وشرحبيل ابن عمرو، والهدهاد بن شرحبيل؛ مصاهر الجن؛ أبو بلقيس، وذكروا أن عمرو بن عامر عند ذلك أخبره كاهن بخراب مأرب - وحذره ذلك - وقال له: احذر في تخليصك من ضررها فإنك في أوان ذهاب هاتين الجنتين، ثم إن عمرو بن عامر احتال على قومه فأولم وليمة جمع فيها أهل بيته وعشيرته وتقدم إلى ابنه ثعلبة وقيل إلى وادعة، وهو أصغر ولده، وقال له يا بني: قد علمت ما أشرفنا عليه من خراب هذا السد، وذهاب هاتين الجنتين، وعزمت على بيع الذي لي فيهما، وليس أحد يشتريه مني إلَّا بحيلة أحتالها، وإني سأبادر لك الكلام بحضرة وجوه العشيرة من حِمْيَر وكهلان، فكلما كلمتك بكلمة شكسة، رُدّ علي مثلها أو أشكس منها، وإذا رأيتني أهم برفع يدي لأضربك فارفع يدك حتى يرى النّاس أنك أردت ضربي، حتى أحلف على بيع ملكي من مأرب وخروجي منها، ويري النّاس أني أريد بذلك خيرًا، فلما اجتمع النّاس عنده للوليمة من حِمْيَر وكهلان، وفرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم وقُرب الشراب، أقبل عمرو بن عامر على ابنه وادعة، وكلمه بكلام شكس، ورد عليه وادعة بكلام مثل كلامه وأشرس، فرفع عمرو بن عامر على ابنه ليلطمه فرد عليه يده وقال وايم الله لئن لطمتني لألطمنك، فعند ذلك آل عمرو بن عامر يمينا لا كفارة لها على بيع جميع ملكهـ في أرض مأرب من الجنتين وغيرها، وخروجه منها، ونادى هل من مشتري، فلما رأي النّاس أنه مجد في البيع أقبلوا عليه وقالوا: أتأذن أن نساومك، فقال لهم: قد أذنت لكم فسوموا فقالوا قد أخذنا النصف الذي لك بمائة حمل من كل شيء، فقال: هو لكم بما طلبتم فدفعوا إليه مائة حمل من كل شيء، وسلم له النصف الثاني ولم يجد له مشتر فتركه وخرج من مأرب بجميع ولده وأهله وعشيرته كافة، فأقبل فيما يعلمه الله من العدد والخيل والإبل وغيرها من أجناس المال والسوائم، فلم يرد قومه وكافة من معه ماء إلَّا نزحوه ولا قصدوا بلد إلَّا أجدبوه