للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترى أمامك وأنت تغادر بلاد الخماسين جبل طريق بقمة الفارعة ومتونه العالية يمتد من الشمال الغربي صوب الجنوب الشرقي لا تدرك له نهاية آخذ بعضه برقاب بعض حتى تختفي أطرافه وتغيب أكتافه في رمال الربع الخالي.

وبعد أن تنكب قرية المعتلا على يسارك ومزارع المقابل على يمينك يأخذ بك الطريق في صحراء فسيحة، وبطن الوادي على يسارك، لا تشاهد على يمينك ويسارك إلا صحراء رملية رغيبة التربة بعيدة الأماد ما عدا مرتفعات طريق العالية التي تراها أمامك، بأنوفها الشم وقصمها المنيعة وجوانبها العاتية.

وترى أنوفا شامخة أمامك يمينا في بحبوبة من الصحراء الواسعة منحتها هيبة المظهر وبروز الجوانب المتسامقة حتى تقابلك هضبة فردة وجبال تمرة حافة بالطريق من اليمين على مقربة منه، يناوحها من الجانب الآخر خشم الفرز حافا به من الشمال.

إنها قمم شاهقة وقنن منيفة فارغة، وتكوين طبيعي عجيب، خلقه الله بقدرته، وأشار إليه بحكمته {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩)} [الغاشية].

إنه برهان على قدرته - تعالى - وتعبير عن إتقان صنعه وعجائب خلقه، بل إنه دليل على عظمه خالقه {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)} [النازعات].

إنها رعان اليمامة الشم، تمثل الروعة بجمالها والمناعة بشموخها:

فأعرضت اليمامة واشمخرّت … كأسياف بأيدي مُصلتينا

إنها مشمخرة منيعة في جانبها الغربي؛ ولكنها تتيح اليسر والسهولة والانبساط في جانبها الشرقي، حيث يستقر الناس في تلك الأودية العميقة وينتشرون على ضفافها في تلك السطوح الانحرافية السهلة المتدرجة الانحدار، حيث تنمو المروج الخضراء تنشر القرى هنا وهناك في مدافع أوديتها حيث السهول الفسيحة فتكون العيون الغزيرة والينابيع الثرة، وتغني بالآبار بالماء الوفير وتغذي الحرث بالماء النمير وفيما بين "فرده" و "جبال تمرة" من اليمين وبين "خشم

<<  <  ج: ص:  >  >>