للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرز" من اليسار ينفذ الطريق حيث الرمث الكثيف والغضا وحيث غزارة الوادي وتصاعد الرمال وحيث تظهر على شعف الكثبان وتلتف حولها غابات من الغضا والرمث، هنا حيث تستقر مياه الوادي وحيث تنتهي مسيرته، إنها هنا تحجزها خبب غليظة وتلال رملية متماسكة في منخفضات رملية شبه دائرية، لا تتجه لها مجاري ولا تستقيم لها شعاب ولا تمتد لها سهول ولا تنداح لها قيعان، بقاع غليظة ونباتات كثيفة وحواجز طبيعية من الرمال والنبات تعوق سير السيول وتهدئ من سرعتها. وتصطدم بأمواجها فترد من قوة اندفاعاتها وكأنما تقول لسيول هذا الوادي: هنا فاستقري، لتلتهمه في جوفها العميق وتحتفظ به بين طيات بطنها الرغيب، لتغذي به آبارها وعيونها وتجيء به أرضها وتنمي بها زرعها ونخيلها، حيث تطل عليها أنوف أجبل الأخرس من قرب، وكأنما دنت إليه لتراقبه عن كثب، إنها تدنو إليه من جانبه الأيمن في هذا المكان فتضفي عليه وعلى ما حوله مظهرا من الهيبة وروعة من الجمال، ومشهدا عجيبا من الطبيعة الخرساء إنها خرساء ولكنها بصمتها الرهيب وتكوينها الطبيعي العجحب ناطقة بقدرة خالقها عن جلاله وعظمته، إنها تملي على متأملها فنونا من التعبير وتتيح له ميدانا ملهما وتمده بمعين ثر من القول.

إنها رعان مشمخرة وأنوف متأممة، كأنها نهضت رقابها لتطل على ما غربها، وحنت ظهورها مولية عما شرقها فمنحت الناس ظهورا سهلة وأعقابا واطئة ميسورة.

إن اللبّ يحار في تكوينها الغربي، ويعجب من انحرافها الشرقي، ويروق البصر لونها الأشقر الجميل، ويلفت النظر تكوينها الجيولوجي المتميز.

في أوديتها تنتشر البلدان والقرى، وتتسامق غابات النخيل الخضراء، ملتفة حولها الصحاري الفسيحة، في ضفاف تلك الأودية الخصبة التي تدفع بسيول هذه المرتفعات صوب الشرق، إنها مستقبلة شمس الصباح بمدافعها الغنية فتنصب أشعتها الذهبية على هذه القمم الشقراء وتسطع على تلك المروج الخضراء وتمتد أضواؤها على رحابها الفسيحة.

وبعد أن تنفذ بين هذه الجبال وأنت على متن الطريق يتجه الطريق صوب الشرق الشمالي - تارة ويميل صوب الشمال الشرقي تارة أخرى، وكأنما أراد بك أن

<<  <  ج: ص:  >  >>