ثم غزا معكال (١). وذلك أنه بعد مدة قريبة برز مولانا الشريف حسن إلى غزو معكال بأقصى البلاد الشرقية لأمور فعلوها فيها طعن على الدولة الإسلامية وحسبك السنة النبوية المبرورة، "الفتنة من ها هنا" وأشار إلى الجهة المذكورة، فقام مولانا المشار إليه في ذلك حماية لبيضة الإسلام وخصوصًا حجاج بيت اللَّه الحرام، وزوار جده محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوصل دارهم وقاتلهم فيها احتقارًا بهم، وعساكر الإسلام اللَّه تعالى يحميها ويبلغها بسعده أقصى أمانيها في جمع كذلك يزيدون على خمسين ألفًا، وطال مقامه فيهم حتى استأصل أهل الدار رجالا وأموالا وكل من كان إليهم إلفًا، فتحدث أعداؤه المخذولون أنه مات وعسكره انكسر نظير ما وقع لجده -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبر، فلما خبر ذلك لأهل سوق الخميس، سول لهم عدو اللَّه أخوهم إبليس، فقتلوا الحاكم الشرعي والأمير المذكورين شقاقًا منهم في الدارين، فلما عاد مولانا الشريف من الشرق سالمًا، في النفس والأهل والآل، غانمًا ملك معكال، وما قرب منه من سائر المحال، دخل مكة على أجمل الأحوال، ومشايخهم بين يديه في الحديد والأغلال، ثم أقاموا في ظل نعمة مدى عام كامل، فطلبوا من فضله وإحسانه الشامل أن يكونوا خدامه في محل سلطانهم، وأن يحملوا إليه ما يرضيه كل عام من محصول أوطانهم، فأجابهم إلى مطلوبهم. وأمر عليهم محمد بن عثمان بن فضل حيث لم يبق من بين سلطنتهم إلا هذا النسل.
ثم عزم على غزو سوق الخميس لفعلهم المذكور الخسيس، فقصدهم بنفسه الزكية افتتاح سنة سبع وثمانين وتسعمائة، فاجتمع بسوحه من بادية مكة المشرفة طوائف هذيل وغطفان وعدوان وبني سعد وما اتصل بهم من المؤلفة فاجتمعوا بناديه الفسيح رحابه، المنيع جاره وأحزابه، فنظر إليهم أمير دار المضيف، فاستكثر ما يجب لهم من المصاريف، فقال على لسانهم لمولانا الشريف: لعل سيدي يعجل بالمسير، فإن الجيش كبير. فقال له الشريف: أجبهم عني بأني أطعم صغيرهم حتى يشب، وشابهم حتى يشيب. ثم سار بهم بعد مدة فلما وصل واديهم، ونزل مخيمه المعظم في ناديهم، قال لهم بعض عقلاء الرجال: اطلبوا من مولانا الصلح. فأجابوا جواب أهل الغرور والهوس على سبيل التهكم: اسألوا عن الصلح في جبل ملس فتقبل تمام الفال، ثم صعدت الرجال على الجبال، وعم القتل معظم