قال: قلت: دعني أنام، فإني أمسيت ناعسا. فلما كنت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب، فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى اللَّه عزَّ وجلَّ وإلى عبادته، ثم أنشد يقول:
عجبت للجن وتجساسها … وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى … ما خير الجن كأنجاسها
فادخل إلى الصفوة من هاشم … وأرم بعينيك إلى رأسها
فقمت فقلت: قد امتحن اللَّه قلبي، فرحلت ناقتي ثم أتيت المدينة "وفي رواية حتى أتيت مكة، وهي أقرب إلى الصحة، لأن الجن إنما جاءت إليه عليه الصلاة والسلام للإيمان به في مكة، فإذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه حوله، فلما رآني قال: مرحبا يا سواد بن قارب، قد علمنا ما جاء بك، فقلت: يا رسول اللَّه، قد قلت شعرًا فاسمع مقالتي يا رسول اللَّه، فقال: هات فأنشأ يقول:
أتاني رئي بعد هدء ورقده … ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة … أتاك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت … بي الذعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن اللَّه لا رب غيره … وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة … إلى اللَّه يا بن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما تأتيك يا خير مرسل … وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة … سواك بمغن عن سواد بن قارب
قال: ففرح النبي (عليه الصلاة والسلام) هو وأصحابه بمقالتي فرحا شديدًا حتى رؤي الفرح في وجوههم، وضحك رسول اللَّه حتى بدت نواجذه وقال: أفلحت يا سواد. فرأيت عمر (رضي اللَّه عنه) التزمه، وقال: كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك. فهل يأتيك رئيك اليوم؟ قال سواد بن قارب: أما منذ قرأت القرآن فلا، ونعم العوض كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ. انتهى".
ويعتبر سواد بن قارب من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاف أن يرتد قومه فخطب فيهم الخطبة البليغة التالية: