للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"يا معشر الأزد، إن سعادة القوم أن يتعظوا بغيرهم، ومن شقاوتهم ألا يتعظوا إلا بأنفسهم، وإن من لم تنفعه التجارب ضرته، ومن لم يسعه الحق لم يسعه الباطل، وإنما تسلمون اليوم بما أسلمتم به أمس وقد علمتم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد تناول قوما أبعد منكم فظفر بهم، وأوعد قوما أكثر منكم فأخافهم، ولم يمنعه منكم عدة ولا عدد، وكل بلاء منسي إلا ما بقي أثره في الناس، ولا ينبغي لأهل البلاء إلا أن يكونوا أذكر من أهل العافية للعافية، وإنما كف نبي اللَّه عنكم ما كفكم عنه، فلم تزالوا خارجين مما فيه أهل البلاء داخلين فيما فيه أهل العافية، حتى قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطيبكم ونقيبكم فعبر الخطيب عن الشاهد، ونقب عن الغائب، ولست أدري لعله تكون للناس جولة، فإن يكن فالسلامة منها الأناءة، واللَّه يحبها فأحبوها" فأجابه القوم، والتزموا بقوله (١) فقال في ذلك:

جلت مصيبتك الفداة سواد … وأرى المصيبة بعدها تزداد

أبقى لنا فقد النبي محمد … صلى الإله عليه ما يعتاد

حزنا لعمرك في الفؤاد مخامرا … وهل لمن فقد النبي فؤاد

كنا نحل به جنابا ممرعا … جف الجناب فأجدب الرواد

فبكت عليه أرضنا وسماؤنا … وتصدعت وجدا به الأكباد

كان العيان هو الطريف وحزنه … باق لعمرك في النفوس تلاد

أن النبي وفاته كحياته … الحق حق والجهاد جهاد

لو قيل تفدون النبي محمدًا … بذلت له الأموال والأولاد

وتسارعت فيه النفوس ببذلها … هذا له الأغياب والأشهاد

هذا وهذا لا يرد نبينا … لو كان يفديه فداه سواد

إني أحاذر والحوادث جمة … أمرا لعاصف ريحه أرعاد

إن حل منه ما يخاف فأنتم … للأرض إن رجفت بنا أوتاد

لو زاد قوم فوق منية صاحب … زدتم وليس لمنية مزداد (٢)

في هذه القصيدة الرائعة دليل كبير على تمسك رجال زهران الشديد بإسلامهم، وحبهم لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحزنهم العظيم لفقده، في وقت ارتد فيه


(١) ابن هشام - العروض الأنف - ج ١ - ص ١٤٠.
(٢) عبد اللَّه بن محمد بن عبد الوهاب - مختصر سيرة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ص ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>