للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان لحويط زوجة وأولاد ونسل في المدينة المنورة عند ذويه من الأشراف لعاد إلى أولاده فعاطفة الأبوة تَغْلِب دائمًا، وما ظل في كنف بني عطية عند الرجل الذي عالجه من مرضه أثناء مروره قرب العقبة، ولربما ظن ذووه حينئذ والمرافقون له أنه توفي في غيابهم لما أنهم رحلوا عنه وهو في فراش الموت، أو قد يئسوا من العودة في التقصي عليه لما أنه كان في حالة الاحتضار حين تركوه متجهين إلى الشام.

- وقد سمعت رواية أخرى (١) في أن العطوي حين شفي حويط ولمس فيه الإقدام والفطنة أحبه وأبعده مع إبل له، ولما جاء رهطه من الأشراف أوهمهم بقبر قد وضع عليه حجرًا وقال: هذا ولدكم قد توفاه الله!، فكتبوا عليه وَسْم (٢) الأشراف وانطلقوا عائدين آسفين لفراقه. والظاهر أن حويطًا طاب له العيش لما وجد من المعاملة الكريمة ومشاركة العطوي له في ماله وحلاله (٣)، ثم تزويجه بابنته قد جعل حويطًا مشغولًا عن أهله بما كوَّن من أسرة جديدة. وأقرب قصة في زمان حويط أو قريبة العهد به هي قصة حسن الوحيدي، فقد جاء من نسل الأشراف ومكث في شرق الأردن وكوَّن عشيرة عرفت باسم الوحيدات، والراجح أنه من الأشراف الحسنيين بمكة المكرمة، وقدومه للأردن كان في أواخر القرن الثامن الهجري.

وهناك ملاحظة أنه ليس كلّ رجل يُصبح أبًا لقبيلة، ولكن هي إرادة الله أن يبارك في نسل رجل ولا يبارك في آخر في نفس الزمن، ولربما تندثر ذرية الثاني نهائيًا وهذا شيء معروف منذ القدم.

وعن الأشراف بالذات فمنهم أفراد كثيرون انطلقوا إلى عدة أماكن في الجزيرة وخارجها، وتكوَّنت منهم عشائر أو قبائل ملأت الآفاق، وبعد فحص عدة


(١) وقبلت رواية أن العطوي وضع أعوادًا من الحطب على لَحْد أو قبر أحد الموتى، وقال لرهط حويط هذا المتوفى أبو عويدات مشيرًا إلى قَبْره يوهمهم بموته، ولكنهم قالوا له: إن كنت صادقًا فيرحمه الله وإن كنت كاذبًا يجعله الله خصيمك أنت وقومك ليوم القيامة، ثم وضعوا على حجر وَسْم الأشراف وكان رسم حيَّة ثم جعلوا الحجر على نصب قبره الوهمي وانطلقوا منصرفين، فسمِّي حويط أبو عويدات، وقد رأى حويط في منامه أنه يبول ذر، فأخبر العطوي فارتاع منه، وقال: الله يكفينا شرك، وحلمك يدلُّ أنك أبو قبيلة وتكثر في زمان قليل على قومنا من بني عطية!!.
(٢) وهي علامة توضع لكل قبيلة ويضعونها على الإبل والدواب عن طريق الكي بالنار أو تحفر على الحجارة.
(٣) وهي الإبل والغنم واللفظ أغلبه يطلق على الأغنام بلهجة القبائل العربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>