للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنَّها، بَعدَما طالَ النَّجاءُ بِها … مُحاذِرٌ، ظَلَّ يَحدُو ذُبَّلا، عُجُسا (١)

أَو مُفرَدٌ، أَسْفَعُ الخَدَّينِ ذُو جُدَد … جادَتْ لَهُ مِن جُمادَى لَيةٌ، رَجَسا (٢)

وَباتَ ضَيفًا، لِأَرْطاةٍ، يَلوذُ بِها … في مُرجَحِنٍّ، مَرَئهُ الرِّيحُ، فَانبَجَسا (٣)

حَتَّى إِذا لاحَ ضَوءُ الصُّبْحِ باكرَهُ … مُعاوِدُ الصَّيدِ يُشلي أَكْلُبًا، غُبُسا (٤)

فَانصاعَ، وَانصَعْنَ أَمثالَ القِداحِ مَعًا … تَخالُ أَكْرُعَها، بِالبيدِ مُرْتَعَسا (٥)

كان قيس ابن الحُدادية يهوى نُعم أم مالك بنت ذؤيب الخزاعي، وتوقدت نار حبه وزادت لوعته وفاض حنينه وشوقه، عندما أحس برحيلها مع بطون من خزاعة جالين إلى مصر والشام لأنهم أجدبوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق رأوا البوارق خلفهم، وأدركهم من ذكر لهم كثرة الغيث والمطر وغزارته، فرجع عمرو ابن عبد مناة في ناس كثير إلى أوطانهم، وتقدم قبيصة بن ذؤيب ومعه أخته أم مالك، معشوقة قيس، ومفجرة عواطفه الشعرية في الحب، والشوق والحنين متأثرًا بفراقها، فتدفقت عبقريته الشعرية بقصيدة بث فيها كل أحاسيسه ومشاعره الصادقة حتى أصبحت حديث للجالس فأنشدتها عائشة بنت طلحة في مجلسها، وبعد أن فرغت منها، قالت: من يزيدني فيها بيتًا فله خلعتي فلم تر أحدًا فعل ذلك:

أَجِدَّكَ، إن نُعمٌ نَأَت، أَنتَ جازِعُ؟ … قَدِ اقتَرَبَت، لَو أَنَّ ذَلِكَ نافِعُ

قَدِ اقْتَرَبَتْ، لَو أَنَّ في قُربِ دَارِها … جَدَاءً، وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ ضَنَّ مَانِعُ (٦)

فَإِنْ تَلقَيَن أسماءَ، يَوْمًا فَحَيِّها … وَسَلْ: كَيفَ تُرعى، بِالمَغيبِ، الوَدائِعُ


(١) النجاء: السرعة في السير. والمحاذر: بريد به حمار وحش يتوقع شرًا. والذيل: الأتن الضوامر. والعجس: جمع عجساء وهي الشديدة الوسط.
(٢) المفرد: ثور الوحش. الأسفع: من السفعة، وهي السواد إلى حمرة. والجدد: جمع جدة وهي الخطة في ظهر الثور، تخالف لونه. ورجس: هدر.
(٣) الأرطاة: ضرب من الشجر. والمرجحن: السحاب المستدير الثقيل. وانبجس: انفجر وتصبب المطر.
(٤) معاود الصيد: صياد درب معتاد الصيد. ويشلي الأكلب: يدعوها ويغريها بالصيد. والغبس: الذي لونه لون الرماد.
(٥) القداح: السهام قبل أن تنصل وتراش. والمرتعس: مصدر ارتعس، إذا ارتعس ورجف. الاختيارين/ ٢٢٤.
(٦) الجداء: النفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>