للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء: أن معبدًا الخزاعي مر برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بحمراء الأسد، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة (١) رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة، صَغْوهم (٢) معه، لا يخفون عليه شيئًا كان بها. فقال معبد، وهو يومئذ مشرك: يا محمد، أما واللَّه لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، لوددنا أن اللَّه أعفاك فيهم. ثم خرج ورسول اللَّه بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب، ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا بالرجعة إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقالوا: "أصبنا حَدَّ أصحابهم وقادتهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم - لنُكرَّن على بقيتهم فلنفرغن منهم".

فلما رأى أبو سفيان معبدًا قال: ما وراءك يا معبد؟

قال معبد: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثلهم، يتحرقون (٣) عليكم تحرقًا قد أجمع معه من كان تخلف عنه، وندموا على ما صنعوا، فلهم من الحنق (٤) عليكم شيء لم أر مثله قط!

قال أبو سفيان: ويلك ما تقول؟

فقال معبد: واللَّه ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل.

قال أبو سفيان: فواللَّه لقد أجمعنا على الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم.

قال معبد: فإني أنهاك عن ذلك، فواللَّه لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتًا من الشعر.

فقال أبو سفيان: ماذا قلت؟.

قال معبد: قلت.

وهنا يقول معبد:

كَادتْ تُهَدُّ من الأصْوَاتِ رَاحِلَتِي … إذ سألتِ الأرضُ بالجُرْد الأبابِيلِ (٥)


(١) ولفظ ابن هشام "عيبة نصح لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمعنى "أي موضع سره".
(٢) صغرهم: أي مبلهم معه. ولفظ السيرة "صففتهم معه" أي اتفاقهم معه. وحمراء الأسد تبعد عن المدينة ثمانية أميال (الاستيعاب ٣٠/ ٤٨١).
(٣) يتحرقون: يلتهبون من الغيظ.
(٤) الحنق: شدة الغيظ.
(٥) تهد: تسقط لهول ما رأت من أصوات الجيش وكثرته. والجرد: الخيل العتاق. والأبابيل: الجماعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>