وقد ساق علي باشا مبارك حكاية الأمير حصن الدولة في الخطط في الكلام عن دوره الشريف قال: كان بقرب دهروط مساكن كثيرة للعربان ومسكن أميرهم الأمير حصن الدولة ثعلب ابن الأمير الكبير نجم الدين علي مجد العرب من عائلة ثعلب بن يعقوب صاحب دروط سريام، وفي عام ٦٥١ هـ قام ذلك الأمير وقامت معه جميع عربان الصعيد برا وبحرًا ثم كتب ذلك إلى الأمير الناصر صاحب حلب ودمشق أن يتجهز إلى مصر وهو يكون معه بجميع العربان وكانت خيالته ١٢ ألف فارس غير عدد لا يحصى من الرجال، وقد علم الملك المعز أيبك التركماني بذلك فجيَّش خمسة آلاف من الجند وسيرهم إليهم مع الأمير فارس الدين أقطاي بن عبد الله بالنجمي وبالمستعرب مات سنة ٦٧٢ هـ، وكان أولًا من مماليك نجم الدين محمد بن أيمن ودخل في خدمة السلطان نجم الدين أيوب ولقب بالمستعرب، والتحمت الحرب عند دهروط فحدثت مقتلة عظيمة من طلوع الشَّمس إلى الزَّوال، وبينما الأمير حِصن الدولة يجول في المعركة إذ سقط عن فرسه فاحتاطت به ودافعت عنه الأتراك (أتراكه) فما أركبوه فرسه إلا وقد قتل من عبيده ورجاله نحو أربعمائة، ثم رأى الغلبة عليه فتقهقر بجيشه وتبعهم الأتراك (المماليك) بالقتل والأسر إلى دخول الليل، وأخذوا كثيرًا من نسائهم وأولادهم وغنموا منهم ما لا يحصى من الخيل وغيرها، ورجعوا بجميع ذلك إلى معسكرهم في بلبيس، ثم قاموا لمقاتلة قبيلتي لواتة وضب وكانوا أكثر أهل الغربية والمنوفية وقد تجمعوا في قسم سخا وسنهور والتحمت الحرب وانهزم العربان وخمدت جمرتهم في مصر.
ثم إن حصن الدولة بعد ما جمع ما بقي من أصحابه أرسل للمعز يطلب الصلح والدخول تحت طاعته، فقبل منه المعز ذلك ووعده بإقطاعات له ولرجاله على أن يكونوا من ضمن الجيش ويحاربون معه الأعداء، فاغتر حصن الدولة وظن المماليك الأتراك لا يستغنون عنه في محاربة الناصر، وقام وسار برجاله إلى بلبيس فلما قرب منهم وكان معه ألف فارس وستمائة راجل نصبت لهم المشانق ما بين بلبيس والقاهرة وصلبوا جميعًا إلا الأمير حصن الدولة فإنه أرسل إلى الإسكندرية وسُجن، وأمر الملك المعز بازدياد القطيعة المضروبة على العربان وأن يزادوا في القود (١) على المعتاد وأن يعاملوا بالشدة والقسوة فذلت العربان في مصر وضعفوا وانكسرت شوكتهم ونقص عددهم للغاية بعد وقعة سخا المذكورة.
(١) القود: ما يبعث به للمملوك من الخيل والإبل العزيزة، ويقال وصل بالقود أو جهز القود على =