للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلقون على القبيلتين اسم (ابني دخان) كما في أهاجي الفرزدق والأخطل لهما، وكانتا معروفتين بـ (آل يَعْصُر) كما في قول جرير (١):

وحَيَّيْ آلِ يَعْصُرَ قَدْ بَلَوْتُمْ … فَلا كُشُفُ اللِّقَاءِ وَلَا الجَنَانِ

ويظهر أن قبيلة غني كانت أثرى عددًا، وأنبه ذكرًا، ولهذا فإن جبل ما ينسب إلى القبيلتين من الحوادث التي وقعت في العهد الجاهلي كان يكتفي فيه بذكر قبيلة غني، ولأن باهلة كانت تشارك أختها غنيا في حروبها فقد خفيت كثير من أخبار قبيلة باهلة، وخاصة في الوقائع التي تعرف باسم أيام العرب، ومن أمثلة ذلك ما وقع بين القبيلتين وقبيلة طيئ من عراك في العهد الجاهلي، ولولا أن الشعر القديم أشار إلى مشاركة باهلة أختها غنيا في تلك الحروب، لما عرف ذلك.

وسأحاول إبراز جوانب مما قامت به هذه القبيلة في العهد الجاهلي من مصاولة بعض القبائل ومحاربتها مما يدل على ما تتصف به من شجاعة وإقدام.

ومن المعروف بداهة أن التئام القبائل في العهود القديمة كان على أساس التقارب في النسب، ولا يحدث تباعد بين قبيلتين متقاربتي النسب إلا لأسباب عارضة كما قال الجاحظ (٢): إن تباغض الأقرباء عارض دخيل، وتحابهم واطد أصيل، والسلامة من ذلك أعم، والتناصر أظهر، والتصادق في المودة أكثر، فلذلك القبيلة تنزل معًا، وتحارب من ناوأها معًا، إلا الشاذ النادر، كخروج غني وباهلة من غطفان، وكنزول عَبْسٍ فى بني عامر، وما أشبه ذلك. انتهى.

لقد كانت قبيلة باهلة مع غطفان التي يجمعها بها قيس عيلان، ثم انفصلت عنها لسبب نجهله، ويظهر أن صلتها يقيت في القبيلة الأم قيس عيلان، لأننا نجدها قد شاركت في يوم جَبَلة منضمة هي وغني إلى بني عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن بن قيس عيلان، بينما بعض إخوتها من غطفان مع بني تميم ضد بني عامر وذلك أن لقيط بن زرارة -سيد تميم- لما انقضت وقعة رَحْرَحان التي هزمت فيها بنو عامر بني تميم -وبين يوم رَحْرَحَان ويوم جَبَلة سنة، ويوم


(١) "ديوان جرير".
(٢) "رسائل الجاحظ" من كتاب "النساء": ٣/ ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>