للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرب، ويسبب عداوة بين الفرعين، ولكن تلك العداوة سرعان ما تزول إذا اعتدى عدو بعيد على قبيلة أخرى فإن ذينك الفرعين ينضمان معًا لمؤازرة القبيلة التي يجمعهما بها النسب، وهكذا يتسع التناصر والتعاون كل ما كان العدو بعيدًا.

ومن أمثلة ما اتصفت به هذه القبيلة من نجدة وحمية أن قبائل اليمن حينما علمت بأن قبيلة بني تميم قد قتل كثير من رجالها في وقعة الصفقة -صفقة باب المشقر- الحصن الذي كان في هجر (الأحساء) أرادت تلك القبائل أن تستغل ضعف بني تميم، وأن تغير على أموالها حين قل المدافعون عنها، فماذا كان موقف قبيلة باهلة من مؤازرة هذه القبيلة التي تجمعها بها في النسب (المضرية) ضد قبائل اليمن؟

قدم رجل من بني قيس بن ثعلبة من ربيعة على بني الحارث بن كعب في نجران، فسألوه عن الناس، فأخبرهم بأن بني تميم قتلت المقاتلة منهم، وبقيت أموالهم وذراريهم في مساكنهم، لا مانع لها، فاجتمعوا في عسكر عظيم بلغ ثمانية آلاف، لا يعلم في الجاهلية جيش أكثر منه، ومن جيش كسرى بذي قار ومن يوم جَبَلة (١).

ويظهر أن بني تميم اتخذوا للأمر أهبته، واحتاطوا من مفاجأة العدو، فارتحلوا من مكان يسهل عليه اجتياحهم، كما في صَحَاري الدهناء والصَّمَّان المكشوفة أمام المهاجمين، إذ لا جبال فيها فانتقلوا إلى العالية بعد أن أنزلوا بني حنظلة بن مالك منهم في الدَّهناء، وبني سعد والرباب في الكلاب، لكي يقوم هؤلاء بحماية الطريق، وكانت بلاد باهلة واقعة في طريق الجيش القادم من نجران وما حوله، فمضى الجيش حتى إذا كان ببلاد باهلة قال جزء بن جزء بن جزء الباهلي لابنه (٢): يا بني هل لك في أكرومة لا يصاب أبدًا مثلها؟ قال: وما ذاك؟ قال: هذا الحي من تميم قد ولجوا هناك مخافة، وقد قصصت أثر الجيش يريدونهم، فاركب جملي الأرحبي، وسر رويدًا رويدًا عقبة من الليل -يعني ساعة- ثم حل عنه حبليه وأنخه، وتوسد ذراعه، فإذا سمعته قد أفاض بجرته وبال


(١) "الكامل لابن الأثير" ١/ ٦٢٢ ط دار صادر بيروت سنة ١٣٨٥ هـ.
(٢) "العقد الفريد" ٦/ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>