فاستنقعت ثفَناتُه في بوله فشد عليه حبله، ثم ضع السوط عليه، فإنك لا تسأل جملك شيئًا من السير إلا أعطاك، حتى تصبِّح القوم. ففعل ما أمره به.
قال الباهلي: فحللت بالكُلاب قبل الجيش وأنا انظر إلى ابن ذكاء -يعني الصبح- فناديت: يا صباحاه، فإنهم ليثبون إلى ليسألوني من أنت؟ إذ أقبل رجل منهم من بني شقيق على مهر كان في النعم، فنادى: يا صباحاه قد أتى على النعم!! ثم كر راجعًا نحو الجيش، فلقيه عبد يغوث الحارثي وهو أول الرعيل، فطعنه في رأس معدته فسبق اللبن الدم، وكان قد اصطبح فقال عبد يغوث: أطيعوني وامضوا بالنعم، وخلوا العجائز من تميم ساقطة أفواهها. قالوا: أما دون أن تنكح بناتهم فلا.
تجالد الجمعان، وتلاقى الفرسان فكان النصر لبني تميم بعد أن قتل بعض فرسانهم، وشغلت مَذْحِج ومن معها بانتهاب النعم.
وكان على رأس المأسورين عبد يغوث بن الحارث بن وقاص الحارثي رئيس مَذْحِج الذي قتل بالنعمان بن مالك أحد رؤساء بني تميم المقتولين في أول المعركة، وعبد يغوث هو صاحب القصيدة التي تعد من عيون الشعر، فيحسن إيرادها (١): -دَرْءا لدفع السأم من الاسترسال في البحث-:
أَلا لا تَلُوْمَاني، كَفَى اللَّوْمَ مَا بِيَا … فَمَالَكُمَا فِي اللَّوْمِ نَفعٌ وَلا لِيَا
أَلَمْ تَعْلَمَا أنَّ المَلامةَ نَفْعُهَا … قَلِيلٌ وَمَا لَوْمِي أَخًا منْ شمَالِيَا
فَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ … نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَلا تَلاقِيَا
أبَا كُرَبٍ والأيْهَمَيْنِ كَلِيْهِمَا … وَقَيْسًا بِأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ اليَمَانِيَا
أَقُولُ وَقَدْ شَدُّوا لِسَانِي بِنِسْعَةٍ: … مَعَاشِرَ تَيْمٍ أَطْلِقُوا مِنْ لِسَانِيَا
كَأنِّيَ لَمْ أَرْكَبْ جَوَادًا وَلَمْ أَقُلْ … لخَيْلِيَ كُرِّيْ كَرَّةً مِنْ وَرَاِئِيَا
وَلَمْ أَسْبَإِ الزِّقَّ الرَّويَّ وَلَمْ أَقُلْ … لأَيْسَارِ صِدْقٍ عَظِّمُوا ضَوْءَ نَارِيَا
وَقَدْ عَلِمَتْ عِرْسِيْ مُلَيْكَةُ أَنَّنِي … أَنَا اللَّيْثُ مَعْدُوّا عَلَيْهِ وَعَادِيَا
(١) "الكامل" لابن الأثير ١/ ٦٢٥ ط دار صادر بيروت سنة ١٣٨٥ هـ.