كالأصفهاني صاحب "بلاد العرب" والهمداني صاحب كتاب "صفة جزيرة العرب" وغيرهما حينما يعددون قرى العرض يصفونها بأنها ذات نخيل.
ومعروف أن غرس النخل والقيام عليه يستلزم خبرة، كما يتطلب عناية تنشأ عن طول ممارسة، وغير ذلك من الأمور التي لا يقوى عليها إلا من كان ذا خبرة طويلة، وصبر وجلد على الاشتغال بالزراعة.
هذا جُلّ ما اطلعت عليه مما ذكره المتقدمون عن بلاد باهلة، ومن المعروف أن هذه القبيلة كان مقر تجمعها هو العرض، المعروف الآن باسم عرض القويعية، وقديمًا باسم سواد باهلة وعرض شمام.
وإذا تعمق الباحث في أحوال القبائل قبل ظهور الإسلام وجدها لا تستقر، بل هي دائمًا عرضة للتنقل وللحِلّ والترحال، ولا يقتصر هذا على البادية منها، يل قد يشمل الحاضرة، بحيث يحدث لهم من التمزق والتفرق ما يضعف كيانهم إضعافًا يسبب زوال السمات التي عرفوا بها قديمًا، ومن ذلك اسم القبيلة، فقد يشطرهم الضعف إلى الاندماج في قبيلة قوية بواسطة الحلف أو الجوار، ومن ثم يفقدون اسمهم.
من هنا فليس من المستغرب أن تصبح تلك البلاد التي كان من المعروف قديمًا أنها من بلاد باهلة، تحلها أسر متحضرة من ألفاف القبائل المتباعدة في النسب.
لقد اعترى باهلة ما يعتري أية قبيلة من أطوار الحياة: النشوء، فالقوة، فالضعف، فالاندماج في قبائل أخرى، وقد تبقى فروع محافظة على اسم القبيلة، كما حدث لباهلة، وهذا من الأمور الغريبة حقًا، اذ لا يكاد الباحث في تاريخ قبائل قلب الجزيرة يجد من بين سكانها من لا يزال محافظًا على الاسم القديم سوى قبائل معدودة من بينها باهلة وتميم.
إن سكنى القبائل في قلب الجزيرة مُعرَّض دائمًا للتغير، فبصرف النظر عما يعتري القبيلة من ضعف في آخر أطوارها، بسبب اندماجها في قبيلة أخرى، فإن وسط الجزيرة ممر لموجات هجرات القبائل المتتابعة التي تأتي من الجنوب، متجهة إلى الشمال، فتتخذ من بلاد نجد في قلب الجزيرة مقرًا لها في أول الأمر، بحيث تزاحم سكانها من القبائل، وكثيرًا ما تتغلب عليهم، لأنها في حالة من القوة تمتاز