للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على حالة القبائل التي سبقتها في الاستيطان والتحضر في هذه البلاد، يضاف إلى هذا خلو وسط الجزيرة من الأمكنة التي تتصف بالمناعة كالجبال كما هو الحال في سروات الحجاز، التي لا يزال أهلها ثابتين فيها.

من هنا فإن مقاومة القبائل المستوطنة في هذه البلاد عندما تغزوهم قبيلة مهاجرة تكون ضعيفة، وهذا يوضح جانبًا من جوانب عدم بقاء كثير ممن كان معروفًا من القبائل القديمة في منازلها، في قلب الجزيرة.

أما بالنسبة لقبيلة باهلة، فيضاف إلى هذا أنها قد اعتراها الضعف قبل أن يحدث الخلاف بينها وبين جيرانها من بني كعب بن ربيعة بن عامر، فالتجأت كما تقدمت الإشارة إلى محالفة تلك القبائل العامرية، قال النهشلي (١): وكانت غني وباهلة توالي عامر بن صعصعة في الجاهلية بالحاجة إليهم في الاعتصار والانتصار، وكانت بنو عامر تحمل عنهم النوائب والديات، وكذلك يشترطون عليهم في حلف الذُّل والقهر. انتهى.

إذن فكيان هذه القبيلة قد ضعف منذ العهد الجاهلي، فتفرقت وتمزق شملها، ولم تستطع المحافظة على بلادها القديمة.

ولكن ليس معنى هذا انمياع أفنائها وفروعها كلها في غيرها من القبائل، بل بقيت فروع محافظة على اسم القبيلة، وإن لم تكن في مواطنها الأصلية في سواد باهلة وما حولها. ينقل صاحب كتاب "عسير في مذكرات سليمان الكمالي" (٢) عن كتاب "النجوم اللوامع" للمقدادي وهذا من رجال القرن السابع الهجري على ما ذكر أن الأمير حسان بن سليمان قد ربط قبائل يام وعبيدة بحلف ضد قبائل اليمن التي تدعو للفاطميين، كما شكل حلفًا في بيشة يضم قبائلها من بني قيس وباهلة وتيم وسلول ومعاوية ومخزوم وواهب ونهد وخثعم وبقية قبائل النخع للوقوف في وجه الغزو. انتهى. وهذا يدل على أنه لا زال هناك بقية من باهلة التي كان أحذ فروعها في بيشة في العهد النبوي، وقبله كان منها سدنة (ذي الخلصة) في تبالة.


(١) "الممتع في صنعة الشعر" ١٥٤ ط بيروت.
(٢) ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>