ثم ليس هناك شك في أن اتصالًا وجد بين العنصرين منذ أقدم العصور البشرية (١).
وقد ظهر أن العرب كانوا قبل الإسلام يسكنون مدينة قفط، وفي ذلك قال أسترابون المؤرخ اليوناني أن نصف سكانها منهم، وربما أخذوا كلمة "قِبَط" من النسبة إلى هذه المدينة القديمة الواقعة في طريق الحجاز.
كما ذهب بعض المؤرخين العرب الحديثين الذين توفروا على دراسة تاريخ عمرو بن العاص إلى أنه سلك طريقًا بدويا يستطيعه البدو واستطاعوه في قديم الزمن، ولا يزال سكانه منذ عرفه التاريخ بدوًا يشعرون بعصبية القرابة لهذا الفاتح الجديد.
ومن الجماعات العربية التي استقرت قبل الإسلام في شرق الدلتا قوم يقال لهم "اليشموريون" انحدروا على أرجح الأقوال من سلالة العمالقة الأقدمين، وقد كان لهؤلاء اليشموريين مواقع استطلاع وعبور في هذه المنطقة، إذ كانوا يسكنون المراعي الواسعة على تخوم الصحراء بين البحيرات الشمالية وأودية الجنوب، وكان اليشموريون يعاونون العرب الفاتحين كما عاونهم عرب الصحراء في الشام على اختلاف العقيدة والمقام، وإذا لاحظنا أن بادية الفيوم كان يسكنها أناس يتكلمون بلهجة يشمورية علمنا أن أقسام البادية العربية لم تتغير كثيرًا من قديم الزمن، وأن عمرو بن العاص قصد إلى الفيوم قبل فتح منف على علم بأصول هذه السلالة كما يقول العقاد في كتابه "عمرو بن العاص" ص ٧٧، ٩٧، ١٠٤، ١٠٥.
هذا الإضافة إلى ما ذكره عباس عمار في كتابه "المدخل الشرقي لمصر أو أهمية شبه جزيرة سيناء كطريق للمواصلات ومعبر للهجرات البشرية"، من أنه:
"يأتي الإسلام وسيناء ينزل على حدودها ويمتد إلى بعض نواحيها الشرقية قبائل كهلانية من غسَّان ولخْم وجُذام. فلما امتدت الفتوحات الإسلامية شمالًا كان لا بد أن يتفرق النصارى من أولئك العرب، ومنهم غالبية غسان فينزل جزء منهم أرض الجفار في شمال سيناء حتى كان منهم حكام تنيس نفسها. وقد ذكر مؤرخو الفتح الإسلامي لمصر كيف أن الحصون على طريق الرمل الشمالي في سيناء كرفح