الفرصة للتخلص من قبائل بلي وجهينة المشاغبة، ولكن بليا خافت بمجرد سماعها بتحرك جنود الحكومة فانهزمت إلى الصعيد. أما جهينة فانتظرت حتى طردت طردا وبذلك بقيت قريش وحدها بالأشمونين التي سارع إلى الانتقال إليها عند ذلك سائر البطون القرشية التي لم تكن أقامت بها بعد.
ومن المهم أن نلاحظ أن هناك بطونا من قريش، لا ذكر لها في أخبار الفتح، نفاجأ بظهورها فيما بعد بصورة قوية. وهذه البطون هي: بنو مخزوم، وبنو تيِّم بن مُرة (البكريون)، وبنو رهرة، وبنو شيبة (من بني عبد الدار)، بنو أسد ابن عبد العزى (الزبيريون)، وبنو مسلمة وبنو حبيب (من المروانيين والجعافرة). وبتأمل هذه البطون - وقد نتحدث عنها في الصفحات القادمة - نلاظ أنها جميعا كانت من سكان منطقة الأشمونين، أو هي بمعنى أصح من القبائل التي هاجرت إلى تلك المنطقة في هجرة قريش الكبرى إليها. ونحن نتساءل: من أين هاجرت هذه القبائل؟ إذا كانت هاجرت من الفسطاط أو غيرها من بلاد مصر فكيف لا نجد لها ذكرا فيما قبل هجرتها تلك التي حددناها بالفترة الواقعة بين أواسط القرنين الرابع - والخامس؟ إن ذلك يحملنا على أن نظن ظنا قويا أن بطونا من قريش قامت بهجرة واسعة النطاق من الحجار إلى مصر بعد الفتح. ولكن متى على وجه التحديد؟ لا نستطيع أن نحدد تاريخا بعينه، ولكننا نستطيع أن نختار القرن الثالث لذلك. وليس بعيدا أن البطون التي كانت تصل إلى مصر عند ذاك كانت تتجه مباشرة إلى بلاد الأشمونين حيث لم نزل تتكاثر إلى أن طردت قبائل بلي وجهينة من هناك واستأثرت هي بالمنطقة.
والذي ننتهي إليه من ذلك كله هو أن قبيلة قريش اتجهت نحو الصعيد منذ القرن الأول اتجاها ظل موصولا طوال القرن الثاني. فلما كان القرن الثالث كانت قريش تقيم في الصعيد الأدنى ابتداء من حلوان حتى الأشمونين. مع ملاحظة أن إقامتها في الأشمونين كانت حتى ذلك الوقت إقامة جزئية، ففي خلال القرنين الرابع والخامس أصبحت قريش جميعها تقيم في منطقة الأشمونين التي أصبحت