انتشر فذلك دليل الخوف والرعب والاختلاج من الألم، والعار كل العار لمن كان هذا شأنه.
ولا يقف المسلوخ ساكنًا، بل عليه أن يعتزي إلى قومه إن كان أصيلا، وتكون العزوة غالبًا إلى أخواله. وكثير من أولاد السفاح يعتزون بأنهم أولاد "الهيجة" لا أولاد الهيجاء. وقد يطلب الشاب شريحة من جلده ليمسكها على ذكر قوم لهم عليه يد أو منة. والبنات يقفن أمام المسلوخ يشجعنه ويثبتن عزمه بينما عملية القطع والسلخ سائرة دون توقف، وقد ينادينه بكلام مشجع مغر إلى أن تنتهي العملية الجهنمية. وكثيرًا ما يموت الشاب قبل إتمامها، وطويل العمر من سلم منها، ثم عليه أن يتحمل أيامًا آخر حتى تشفى جراحه. عجب أمر هذا الجنون في الوحشية، ولكنها التقاليد والخرافات والأوهام تتسلط على أفكار البسطاء والجهلة فتجعلهم يعيرون توافه الأمور أهمية لا حد لها. ولم أستطع الغور إلى أصل أسباب عادة السلخ، ولم أجد سببًا معقولا يفسرها سوى استهداف تربية الشاب على تحمل المشاق والأهوال بدون تذمر أو خوف أو وجل كما كان يجري في "أسبارطة" بموجب قوانين "ليكورغ" الأسبارطي، وإلا فما معنى طلب المسلوخ الشرائح من جلده يباهي بها صارخًا معتزيًا مفتخرًا بأن هذه على شرف أعمامه، وتلك على شرف أخواله، وهاتيك على شرف من قدم له يدا أو مساعدة، وأخرى على شرف "الهيجة" ذات المقام الرفيع؟!
بعد انتهاء عملية الختان أو بالأحرى عملية السلخ يصبح للشاب ملء الحرية في العويل والصياح والتألم والنحيب بقدر ما يريد. ألم يحز لقب البطولة؟. ألم يتحمل آلامه بكل ثبات وشجاعة؟، إذن لا تثريب عليه ولا حرج بعد ذلك.
وفصل التداوي مأساة أخرى مؤلمة كفصل الختان، والمسلوخ الذي يسلم من عملية السلخ قد يقع فريسة بين براثن جراحه المتعفنة، وكثيرًا ما يطول أمد شفائه إلى سنة. وأما العلاج فبسيط جدا: ملح الطعام يذر على الجراح للتطهير، أو نوع من مسحوق الحجارة المخصوصة التي يمزج بها نوع من الأعشاب البرية. هذا كل طب "ربيعة" في معالجة جراح المسلوخ.