ولذلك فإن الحكومة الحاضرة عملت جهدها للقضاء على هذه العادة دفعا لمضارها واتقاء لمفاسدها، غير أن ما عمل في هذا الباب لا يزال دون الغاية المطلوبة.
عجبت بادئ الأمر من هذا الاختلاط ومن رفع الكلفة بين الجنسين، ولكني أدركت أن نساء هذه البلاد قد اعتدن عدم الاحتراز من مخالطة الغرباء بفضل الزمن والعادات المتوارثة، ولا يرين في ذلك بأسا، متمثلات بقول الشاعر:
بيض حرائر ما هممن بريبة … ويصدهّن عن الخنا الإسلام
أعتقد أن هذه البلاد قد منيت بقحط في الرجال، وكان من جراء ذلك أن رخص الزواج، وجرى فيه تساهل عظيم مع الغرباء عن القبيلة ومع غير الكفء. وقد لاحظت أنواعًا من الزواج كانت المساومة فيه أساسًا له وكان المال سببًا لإتمامه ولم يستنكف أهل هذه البلاد عن تزويج بناتهم من الجنود برغم علمهم بقصر مدة إقامتهم بين ظهرانيهم. وهذا التساهل في اختيار الأزواج أو بالأحرى في بيع النساء للرجال بثمن بخس دراهم معدودة قد لفت نظري إلى هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة التي أرجو أن يكون الباعث عليها الحرب وضروراتها، وأن تكون الأسباب التي أوجدتها قد زالت الآن في هذا العهد.
كنت أعجب أول وصولي إلى عسير من كثرة الأحاديث عن الزواج الذي لا يخلو منه مجلس، ولكن عجبي أخذ في التضاؤل بمرور الزمن حتى أصبحت لا أرى غضاضة في طرق الموضوع في آية مناسبة. وزعم بعض محدثيّ أن الزواج بين أفراد القبيلة لا سيما بين أبناء العم رخيص جدًّا، فالمهر لا يتجاوز غالبًا خمسة عشر ريال فرنسا (١٢٠ قرشا مصريًا)، غير أن الذي يدفع منه بالفعل خمسة ريالات فقط، إذ العادة في هذه المهور أن تجعل ثلاثة أقسام، الثلث الأول يدفع نقدًا والثلث الثاني ينزل عنه ولي أمر العروس مقابل الضيافة التي يقدمها للعريس، والثلث الباقي هدية.
أما في وقت وجودنا بأبها فقد أخبرونا بأن سوق المهور قد ارتفعت جدًّا بالنسبة للأغراب الراغبين في الزواج. وقد حدث أن بعض كبار الجند قد أبلغ المهر