وقد فقدت السيدة زينب جدها -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي بنت خمس، وفقدت أمها الزهراء بعد ذلك بشهور قليلة لا تتجاوز السنة، فحزنت لفقدهما حزنا عميقا جعلها أنضج إدراكا وأرهف حسا، فتحملت وهي صبية صغيرة، عبء إدارة بيت أبيها ورعاية شئون أخواتها.
شبت زينب الطاهرة عن الطوق، ونها عودها أفضل ناء، وزكا نباتها الطيب في روضة النبوة، ودوحة الرسالة، وجمَّلها ربها بدنا وروحا، وطبعا وخلقا، وعندما بلغت مبلغ الزواج تهافت عليها الطلاب من شباب بني هاشم وقريش، ذوي الرفعة والشرف. لكن علي بن أبي طالب - كرم اللَّه وجهه، اختار لفتاته، عبد اللَّه بن جعفر.
أبوه جعفر بن أبي طالب، ابن عم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخو علي بن أبي طالب لأبويه، وكان أشبه الناس بالمصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- خلقا وخُلُقًا.
وصفه أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- فقال:
"ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطئ التراب بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خير من جعفر بن أبي طالب".
وكان الرسول يكنيه أبا المساكين.
هاجر بدينه إلى الحبشة إبان عداوة قريش لدعوة الحق الذي جاء به محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من عند ربه -جل جلاله-، ثم رجع مع من رجع من المسلمين، وصادف وصوله إلى المدينة المنورة فتح خيبر فالتزمه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وجعل يقبله بين عينيه ويقول:
"ما أدري بأيها أنا أشد فرحا، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟ ".
وأنزله الرسول الأعظم -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جنب المسجد.
سار مع كتيبة الإيمان التي توجهت إلى بلاد الروم في السنة الثامنة للهجرة، وقد جعل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لواء ذلك الجيش لزيد بن حارثة، فإن أصيب، فجعفر بن أبي طالب على الناس.