وتجمع أهل الكوفة يبكون، فقالت لهم زينب، مبكتة مؤدبة، مقومة مهذبة:
"يا أهل الكوفة"
أتبكون؟! فلا سكنت العبرة، ولا هدأت الرنة!.
إنها مثلكم مثل الذي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا ساء ما تزرون!
أي واللَّه، فابكوا كثيرًا، واضحكوا قليلًا، فقد ذهبتم بعارها وشنارها، فلن ترحضوها لن تغسلوها أبدًا.
وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، ومدار حجتكم، ومنار محجتكم وهو سيد شباب أهل الجنة!
لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء!
أتعجبون لو أمطرت دمًا؟
ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم، أن سخط اللَّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتدرون أي كيد فريتم، وأي دم سفكتم، وأي كريمة أبرزتم، لقد جئتم شيئًا إدا، تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا.
ضج الناس بالبكاء والعويل وفزعوا من هول ما سمعوا، وسقط في أيديهم، وبلغ بهم الأسف مبلغه، ووجفت القلوب، واقشعرت الأجساد من هول تلك المحنة الدهماء.
وعندما أدخل أهل البيت النبوي الكريم إلى حيث عبيد اللَّه بن زياد والي الكوفة، تذكرت السيدة زينب -رضي اللَّه عنها- تلك القاعة التي كان يجلس فيها -من قبل- أبوها الإمام علي بن أبي طالب، دخلتها هذه المرأة وقلبها متصدع مما مر بها