للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على رسوله وآله أجمعين، صدق اللَّه سبحانه حيث يقول: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)} (الروم).

أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أن بنا هوانا على اللَّه وبك عليه كرامة، وإن ذلك لعظيم خطرك عنده، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك تضرب أصدريك (١) فرحا، وتنفض مذوريك (٢) مرحا جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلًا مهلا أنسيت قول اللَّه تعالى:

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٧٨)} (آل عمران).

أَمِنَ العدل يا ابن الطُلَقاء (٣) تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سبايا قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، الدني والشريف، ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي، وكيف يرتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الأذكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان، والإحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:

لا هلوا واستهلوا فرحا … ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنيا على ثنايا أبي عبد اللَّه سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ونجوم الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم، فلتردن وشيكًا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت، وفعلت ما


(١) أصدريك: منكبيك.
(٢) مذوريك: جانبا الأليتين ولا واحد لها أي ماضيا يتهدد.
(٣) ابن الطلقاء هم آل أبي سفيان جد يزيد بن معاوية الذين أطلقهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>