للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختارت السيدة زينب رضي اللَّه عنها (مصر) دارا لإقامتها لما سمعته عن أهلها وحبهم الشديد لآل البيت النبوي الكريم.

وما كاد خبر رحيل السيدة زينب يبلغ والي مصر إذ ذاك مسلمة بن مخلد الأنصاري، حتى توجه ومعه جماعة من أصحابه ورهط كبير من أعيان مصر وعلمائها ووجهائها وتجارها ليكونوا في شرف استقبالها فاستقبلوها عند قرية على طريق مصر والشام شرقي بلبيس عرفت فيما بعد بقرية العباسة نسبة للعباسة (١) ابنة أحمد بن طولون.

وقد تقدم مسلمة من السيدة زينب وعزاها في خشوع وخضوع، وبكيى فبكت، وبكى الحاضرون ثم قالت: {. . . هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)} (يس).

وقد وافق دخول السيدة زينب مصر، بزوغ هلال شعبان سنة إحدى وستين هجرية الموافق ٢٦ إبريل سنة ٦٨١ ميلادية، وكان قد مضى على استشهاد الحسين -رضي اللَّه عنه- ستة أشهر وأيام.

وقد أنزلها الوالي هي ومن معها في داره بالحمراء القصوى ترويجا لهم، إذ كانت تشكو من أثر ما مر بها. فنزلت بتلك الدار معززة مكرمة، وبقيت فيها موضع إجلال المصريين وتقديرهم، حيث كانوا يفدون إلى منزلها الكريم ملتمسين بركتها ودعواتها، مستمعين إلى ما ترويه من الأحاديث النبوية الشريفة والأدب الديني الرفيع.

وبقيت السيدة زينب بتلك الدار أقل من عام بقليل، فلم تر خلال مدة إقامتها إلا عابدة متبتلة متهجدة صوامة قوامة تالية لآي القرآن المجيد وانتقلت -رضوان اللَّه عليها- إلى الرفيق الأعلى عشية يوم الأحد لأربع عشرة مضين من رجب عام ٦٢ هـ، فمهدت لها الأرض الطاهرة مرقدا لينا في مخدعها في دار مسلمة (٢) حيث أقامت


(١) هذه القرية ما زالت باسمها في محافظة الشرقية بالديار المصرية.
(٢) تحولت الدار إلى مسجد كبير سُمي باسم السيدة زينب، وكذلك حي من أحياء وسط القاهرة مُسمي باسمها -رضي اللَّه عنها-، وكذلك توجد مساجد أخرى مساة بأسماء سيدات من آل البيت بالقاهرة، مثل السيدة نفيسة والسيدة سكينة -رضي اللَّه عنهما- حيث مرقدهما مجاور للمسجدين المذكورين.

<<  <  ج: ص:  >  >>