يا ابن اللخناء، اللحسين تقول هذا؟ واللَّه لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أُقتل معه، واللَّه إنه لما يهون على المصاب بها أنها أصيبا مع أخي وابن عمي، مواسين له، صابرين معه، وإن لم تكن است الحسين يدي، فقد آساه ولداي.
كان وجود السيدة زينب في المدينة المنورة كافيًا، لأن تلهب المشاعر وتؤلب الناس على الطغاة، فقد راحت تخطب الجماعات مظهرة عدوان يزيد بن معاوية وبغي عبد اللَّه بن زياد وطغيان أعوانها على أهل البيت النبوي الكريم، فأثارت الثائرة وهيجت الألباب، ولفتت أنظار الأحرار إلى الدم المسفوك، والثأر المضيع، حتى كاد الأمر يفسد على بني أمية، فكتب عمرو بن سعد والي المدينة ليستنجد بيزيد ويقول له:"إن وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر، وإنها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين".
فأمره يزيد أن يفرق البقية الباقية من أهل البيت النبوي الكريم في الأقطار والأمصار، وطلب الوالي إلى السيدة زينب أن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء. وقد عز ذلك وعظم عليها أن ترحل من أرض الآباء والأجداد، ومهبط الوحي، حيث توجد أعظم العترات لآلها وقالت:
قد علم اللَّه ما صار إليه أمرنا، قتل خيرنا، وسيق الباقون كما تساق الأنعام، وحملنا على الأقتاب، فواللَّه لا خرجنا وإن أريقت دماؤنا.
واجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام وواسينها وحبذن لها الخروج، وقالت لها زينب بنت عقيل بن أبي طالب:
يا بنت عماه، قد صدقنا اللَّه وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء فطيبي نفسا وقري عينا، وسيجزي اللَّه الظالمين، ارحلي إلى أي بلد آمن.