التي تشرف عليها جبال اليمن من الغرب وتفيض سيولها فيها كانت تسمى (صيهد)، وأخذت جميع الأعلام تبتعد عنا يمينًا وشارًا، وسرنا في صحراء ذات جبال من الرمل السائب تعترض الطريق وتتخللها شقائق ضيقة تشبه الأودية وطويلة طولًا لا يدركه البصر، معارضة للطريق بشكل تقاطعي. غير أن جبال اليمن التي على يميننا كانت تسايرنا مع الابتعاد التدريجي، فأولها مما يلي نجران، جبال (وائلة)، ثم تليها من الجنوب جبال (دهم) وهما قبيلتان من همدان، لهما خطر في هذا الطريق، وخاصة (دهم) التي كثيرًا ما تقطع الطريق بين نجران وصنعاء. وعلى (٥٤) كيلًا من نجران فرق إلى اليمين طريق صعدة، وهو يخرج من السهل فيصعد جبال اليمن في بلاد همدان فيمر بصعدة ثم يذهب إلى صنعاء، ويكاد يكون كله قي بلاد همدان؛ ولذا فكثيرًا ما تسيطر قبيلة دهم على مسالكه، ثم اعتدل بنا الطريق مشرقًا، وعلى (١٠٤) أكيال مررنا بمخفر لسلاح الحدود يسمى مركز الخزور، والخزور اسم بطن من بطون تلك الصياهد، وعلى منتصف المسافة تقريبًا بين نجران وشرورى مررنا في وادي (اليتمة): وهو يأتي من الغرب من جبال دهم، ويبدو أنه من كبار الأودية هناك ولولاه كذلك ما وصل إلى هنا، حيث الأرض ميثاء ذات رمل سائب، والجبال لا تكاد تراها.
كنا وجدنا في الخضراء جنديًا سائقًا من سلاح الحدود رغب أن نأخذه معنا، ولما كان من أهل البلاد ولا دليل لنا رجونا منه خيرًا، ولكن ما أن خرجنا من القرية إلا وقد أخذ يغط في النوم، ورغم مشاغلتي إياه بالحديث فقد نام أو تناوم، وظهر أنه غير راغب بإمدادنا بملعومات، وهو وأمثاله معذورون لجهلهم.
شرورى:
وأخيرًا وبعد مسير ٣٤٥ كيلًا أشرفنا على مدينة ضرورى، كانت الساعة التاسعة والنصف تقريبًا، ذلك أن هذه الطريق معبدة تعبيدًا رائعًا، ولذا استغنينا في هذا اليوم عن الجيب، وذهبنا في سيارتي المرسيدس.
تقع شرورى في منخفض جلد تحيط به الرمال، ففي الشمال جبال رمل تتخللها شقائق جلدة، وهي تذكر بالدهناء شرق الرياض، ومن الشرق الربع الخالي (رمل