للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما ورد التالي:

حدثنا أبو الوليد، قال: حدثني جدي، قال: حدثنا سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن الكلبي عن أبي صالح، قال: لما طالت ولاية جرهم استحلوا من الحرم أمورا عظاما ونالوا ما لم يكونوا ينالون واستخفوا بحرمة الحرم وأكلوا مال الكعبة الذي يُهدى إليها سرا وعلانية وكلما عدا سفيه منهم على منكر وجد من أشرافهم من يمنعه ويدفع عنه، وظلموا من دخلها من غير أهلها حتى دخل رجل منهم بامرأته الكعبة، فيقال فجربها أو قبلها فمُسخا حجرين، فرق أمرهم فيها وضعفوا وتنازعوا أمرهم بينهم واختلفوا، وكانوا قبل ذلك من أعز حي في العرب وأكثرهم رجالا وأموالا وسلاحا، وأعز عزة.

فلما رأى ذلك رجل منهم يقال له: مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو، قام فيهم خطيبا فوعظهم وقال: يا قوم، أبقوا على أنفسكم وراقبوا الله في حرمه وأمنه فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر هذه الأمم قبلكم، قوم هود وقوم صالح وشعيب، فلا تفعلوا وتواصلوا وتواصوا بالمعروف وانتهوا عن المنكر ولا تستخفوا بحرم الله تعالى وبيته الحرام، ولا يغرنكم ما أنتم فيه من الأمن والقوة، وإياكم والإلحاد فيه بالظلم فإنه بوار، وأيم الله لقد علمتم أنه ما سكنه قوم قط فظلموا فيه وألحدوا إلا قطع الله عز وجل دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدّل أرضها غيرهم، فاحذروا البغي فإنه لا بغاء لأهله قد رأيتم وسمعتم من سكنه قبلكم من طسم وجديس والعماليق ممن كانوا أطول منكم أعمارا وأشد قوة وأكثر رجالًا وأموالا وأولادا، فلما استخفوا بحرم الله وألحدوا فيه بالظلم، أخرجهم الله منها بالأنواع الشتى، فمنهم من أخرج بالذر، ومن من أخرج بالجدب، ومنهم من أخرج بالسيف، وقد سكنتم مساكنهم، وورثتم الأرض من بعدهم، فوقروا حرم الله وعظموا بيته الحرام، وتنزهوا عنه وعما فيه ولا تظلموا من دخله وجاء معظما لحرماته، وآخر جاء بايعا لسلعته أو مرتغبا في جواركم، فإنكم إن فعلتم ذلك تخوفت أن تخرجوا من حرم الله خروج ذل وصغار حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن، والطير والوحوش تأمن فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>