فقال له قائل منهم يقال له مجذع: من الذي يخرجنا منه؟ ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وسلاحا؟ فقال له مضاض بن عمرو: إذا جاء الأمر بطل ما تقول. فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون، فلما رأى مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض ما تعمل جرهم في الحرم وما تسرق من مال الكعبة سرا وعلانية، عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب وأسياف قلعية فدفنها في موضع بئر زمزم، وكان ماء زمزم قد نضب لما أحدثت جرهم في الحرم ما أحدثت حتى غبي مكان البئر ودرس، فقام مضاض بن عمرو وبعض ولده في ليلة مظلمة فحفر في موضع بئر زمزم وأعمق ثم دفن الأسياف والغزالي، فبينما هم على ذلك إذ كان من أمر أهل مأرب ما ذُكر أنه ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له (مزيقياء) ابن ماء السماء وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيُخرب وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو وقومه من بلد إلى بلد لا يطأون بلدا إلا غلبوا عليه وقهروا أهله حتى يخرجوا منه، فلما قاربوا مكة، ساروا ومعهم طريفة الكاهنة، فقالت لهم: سيروا وأسيروا فلن تجتمعوا أنتم ومن خلفتهم أبدا فهذا لكم أصل، وأنتم له فرع، ثم قالت: مه مه وحق ما أقول ما علمني ما أقول إلا الحكيم المحكم رب جميع الإنس من عرب وعجم، فقالوا لها ما شأنك يا طريفة؟ قالت: خذوا البعير فخضبوه بالدم تلون أرض جرهم جيران بيته المحرم.
قال: فلما انتهوا إلى مكة وأهلها جرهم وقد قهروا الناس وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل وغيرهم، أرسل إليهم ثعلبة بن عمرو بن عامر يا قوم إنا خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلدا إلا فسح أهلها لنا وتزحزحوا عنا فنقيم معهم حتى نرسل روادنا فيرتادون لنا بلدًا يحملنا، فافسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح ونرسل روادنا إلى الشام وإلى الشرق فحيث ما بلغنا أنه أمثل لحاقنا به وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيرًا.