للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبت جرهم ذلك إباء شديدا واستكبروا في أنفسهم وقالوا: لا والله ما نحب أن تنزلوا معنا فتضيقون علينا مراتعنا ومواردنا، فارحلوا عنا حيث أحببتم، فلا حاجة لنا بجواركم. فأرسل إليهم ثعلبة أنه لا بد لي من المقام بهذا البلد طوعًا نزلت وحمدتكم وواسيتكم في الرعي والماء، وإن أبيتم، أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلا فضلا، ولن تشربوا إلا رنقا (وهو الكدر من الماء) وأنشد لزهير:

كأن ريقتها بعد الكرى اغتبقت … من طيب الراح لما بعد أن غبقا

سح الساقات على ناجودها شبما … من ماء لينة لا طلقا ولا رنقا

ثم قال: وإن قاتلتموني قاتلتكم، ثم إن ظهرت عليكم، سبيت النساء وقتلت الرجال ولم أترك أحدًا منكم ينزل الحرم أبدًا. فأبت جرهم أن تتركه طوعا وتعبت لقتاله ثلاثة أيام وأفرغ عليهم الصبر ومنعوا النصر ثم انهزمت جرهم فلم ينفلت منهم إلا الشريد، وكان مضاض بن عمرو بن الحارث قد اعتزل جرهما في ذلك وقال: قد كنت أحذركم هذا. ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتى نزلوا قنونا وحلى وما حول ذلك. وقنونا من أودية السراة في عسير وهذا الوادي يفيض إلى القنفذة على ساحل البحر الأحمر، وحلى فرضة على ساحل البحر الأحمر في تهامة عسير. فبقايا جرهم بها إلى اليوم - وهم من ذرية الرجل الصالح مضاض بن عمرو. أما من تبقى من جرهم فقد أفناهم السيف في تلك الحرب. وأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا فأصابتهم الحمى وكانوا في بلد لا يدرون فيه ما الحمى؟ فدعوا طريفة الكاهنة فأخبروها الخبر فشكوا إليها الذي أصابهم، فقالت لهم: قد أصابني بؤس الذي تشكون وهو مفرق ما بيننا. قالوا: فماذا تأمرين؟ قالت: فيكم ومنكم الأمير وعلي التسيير. قالوا: فما تقولين؟ قالت: من كان منكم ذا هم بعيد، وجل شديد، ومزاد جديد، فليحلق بقصر عُمان المشيد، فكان أزد عُمان. ثم قالت: من كان منكم ذا جلد وقصر وصبر على أزمات الدهر، فعليه بالأراك من بطن مر فكانت خُزاعة.

والمعروف اليوم أن وادي الأراك في الجنوب من الرصيفة خلف جبال بحرة.

ثم قالت: من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب

<<  <  ج: ص:  >  >>