ثم أردف قائلًا: لو تثبَّت يا أخا قريش لأخبرتك أنك من زمعات قريش أو رعيانها ولست من الذوائب أو ما أنا بدغفل!. فلما أتى أبو بكر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبره بما جرى له مع دغفل ورجال ربيعة فتبسَّم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسرورًا لما وجد في ربيعة من ولد عدنان هذا العلم وتلك النخوة والفصاحة التي أبداها دغفل في حواره ومناظرته مع الصدِّيق، فقال علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه: لقد وقعْتَ من الغلام على باقعة (أي داهية من دواهي العرب) يا أبا بكر .. فقال الصديق مجيبًا: أجل يا أبا الحسن ما من طامة إلَّا فوقها طامة، وإن البلاء موكل بالمنطق!!.
وإن هذه القصة نستشف منها أن العدنانيين من ربيعَة ومُضَر هما ندٌّ لبعضهما البعض وهما صخرتا العرب تكملان بعضهما البعض، فهما من نزار الذي كان من نسله النَّبِيّ المختار، وكل ملك جبار صيته في الآفاق طار، وكل فارس مغوار يضرب بسيف بتَّار ويحمي الذمار، فرحم الله نزار وإبنيه ربيعَة ومُضَر الأخيار، صفوة وصريحي معد بن عدنان من صلب إسفي عيل الذي كان بأبيه بار، فعليه السلام وعلى أبينا إبراهيم خليل الواحد القهَّار.
ومشكلات الأنساب والأحساب والوصول فيها إلى عين اليقين بين العرب قبل الإسلام وبعده كانت تدور رحاها بين نسَّابة القبائل العربية حين الأزمات التي تفوز النعرات القَبَلية، وقد تضاربت - على سبيل المثال - الأقوال في أشهر القبائل في تاريخ العرب، وهذا الشيء نجده منذ الجاهلية، وأبرز ذلك الخلاف في نسب قُضَاعة والذي هو مذبذب بين عدنان وحِمْير قحطان، ومن أشهر قبائل قُضَاعة: بلِّي وجُهَيْنة، وكذلك نسب ثَقيف، رغم أن التأكيد التاريخي يؤيد نسبهم إلى إياد العدنانيين، إلَّا أن جمهرة العَلماء يقولون: إنهم من هوازن - وهذا ما أخالفه - وسوف نشرح ذلك - إنْ شاء الله - بتحليل مطوَّل، وكذلك نسب خُزَاعة وجُذام وخَثْعم وبُجَيْلة، وبالمثل نرى أمثلة في القبائل التي ظهرت بعد الإسلام مثل: حرب وبني خالد وغيرهما ومما سوف نشرح عنهما في هذا المجلد من الموسوعة مثل: بني عطية والمساعيد والحبريطات. وما زالت الآراء تتضارب من محققي هذا القرن في كثير من القبائل، ويتأرجح رأي كلّ منهم لما يأخذ من إسناد تاريخي أو حجة أو قياس زمني أو بحث ميداني إلى غير ذلك. وسنوضح بتحليل تاريخي ومنطقي نسبها الراجح والأقرب للحق والصحة، واللّه سبحانه هو هادينا ومرشدنا، ونحن