واثقون في الله أنه سوف يعطينا الهداية والحق ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ومن يكله إلى نفسه سوف يجف ريقه ويلهث زائغ البصر وراء حاجته دون جدوي، وإننا نستعين باللّه وحده أن نحسم هذه المشكلات التي هي جسيمة على كاهل المحققين جميعًا وأنا فرد منهم، فدعواتنا للّه أن يوفقنا للحق، واللّه لا يخيِّب رجاء من طلب.
ونلفت نظر القارئ العزيز أنه رغم أن هناك قبائلَ عربية صريحة النسب سواء قحطانية أم عدنانية. ومعنى صراحة النسب هو: معرفة الجد المؤسس لمن يرتد في بطون العرب، والجد المؤسس هو الذي تتسمى به القبيلة وهو أب القبيلة التي يعود له تكون هيكلها وكيانها بداية من الأسرة ثم العائلة ثم العشيرة ثم القبيلة - ورغم صراحة النسب هذه - إلَّا أنه من المستحيل أن تظل قبيلة مقتصرة على ذرية جدها المؤسس لها ولا يدخلها عناصر أخرى خارج عمود نسبها، وكم نجد قبائل قحطانية بها عشائر عدنانية، وكم نجد قبائل عدنانية بها عشائر قحطانية؛ وهذا لأنَّ طبيعة المجتمع القَبَلي العربي منذ فجر التاريخ وحتى هذا القرن دائم التنقل والترحال، إما بحثًا عن موارد الحياة أو لظروف اجتماعية قَبَلية أو لظروف سياسية تتعرض لها بعض الكيانات.
ومنذ الجاهلية والعرب على هذا الحال، وطبقًا لهذه السمة السائدة قد نجد قبيلة أو عشيرة تنضم إلى قبيلة أخرى إما رغبة فيها أو رهبة منها، وتنضوي الأولى تحت اسم الثانية ويندثر اسم القبيلة المنضمة، وقد تنتقل قبيلة إلى ديار قبيلة أخرى بعد ضعفها ثم تتوسع في ديارها وتقطن منازلها التاريخية، وقد تنمو القبيلة من جد مؤسس لها في ديار قبيلة، ثم يتكاثر نسل هذا الجد، وقد يطغى اسمه على سائر القبيلة سواء كان يشترك معها في جذوره الأولى أم يختلف نهائيًّا .. وهكذا فقلما نجد قبيلة عربية صافية على عنصرها الأول أو مقتصرة على عمود نسب مؤسسها. ونعود لقوله تعالى في كتابه العزِيز: { … وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)} [الحجرات: ١٣].
فقد أعلن دستور السماء هذا المفهوم بوضوح تام في هذه الآية الكريمة، كي يعرف كلّ امرئ من أي قبيل هو، أما ميزته في المجتمع ومنزلته عند الله عزَّ وجلَّ فتتجلى بالتقوى والصلاح، وإذا كان على القبائل والشعوب أن تتعارف وتتآلف على اختلاف مذاهبها ومشاربها وميولها ولغاتها وأجناسها، فكيف بنا نحن العرب