للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أصحاب هذه الحرفة يقومون بدور هام في الحياة اليومية العادية حيث يقومون بتعقب العير الشاردة والنعاج الضالة. كما يساعد هذا الفن في معرفة الأخبار داخل مجتمع العبابدة. فعلى سبيل المثال إذا مر أحد الرعاة على مكان أسرة من أسر العبابدة ولم يجدها في مكانها الذي تركها فيه آخر مرّة فإنه يتمكن بسهولة من التعرف على المكان الجديد الذي ذهبوا إليه والطريق الذي سلكوه إلى هذا المستقر الجديد. كذلك يقوم أصحاب هذه الحرفة في المعاونة على اكتشاف الجرائم وتعقب المهربين وغيرهم من المجرمين الهاربين في الصحراء.

ومعروف أن لكل فن قواعد وأسس يقوم عليها. والقاعدة الأساسية لفن اقتفاء الأثر هي أن "القاطع أحدث من المقطوع" بمعنى أنك إذا وجدت أثرًا لسيارة أو لقدم آدمية مثلا تقطع أثرًا آخر فمعنى ذلك أن صاحب القاطع قد وطئ المكان بعد صاحب الأثر المقطوع وأنه مر من هذا المكان في زمن لاحق ويمكنك أن تقرأ قصصا كاملة على أرض الصحراء (١).

ويستطيع القائمون على هذا الفن أن يميزوا بسهولة بين أثر المرأة وأثر الرجل والحامل والبكر والثيب. كما يمكنهم تقدير الوزن والطول وما إذا كان الرجل أعمى أو مبصرا أو يبصر بعينه اليمنى أو اليسرى فقط. كذلك فإنهم يميزون ببراعة شخصا عن آخر فيقولون هذه مشية عبادي وتلك مشية رجل غريب وهل هو كهل أو شاب، مستريح أو منهك، متردد أو واثق، خائف أو مطمئن!.

وليس بمستغرب على العبابدة من سكان الصحراء أن يصلوا إلى هذه المرحلة العالية من الخبرة في اقتفاء الأثر وقيادة القوافل فهو عالمهم الذي نشأوا فيه وخبروا دروبه وجباله؛ لهذا كله استعانت الحكومة المصرية في جيشها بهؤلاء الرجال ولا سيما في سلاح الحدود لأداء مهمة اقتفاء الأثر. وقد حافظ العبابدة على هذه المهنة وإن تغيرت وسيلة الانتقال حيث حلت السيارة محل الجمل في أحيان كثيرة.


(١) سمير خواسك: في بلاد العبابدة، ص ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>