كذلك فقد كانت بربر ملتقى لتجار الرقيق القادمين من سنار والخرطوم عن طريق صحراء كرسكو (١).
وهكذا نرى بجلاء تام أن بربر - مركز العبابدة الرئيسي - كانت تمثل مركزا تجاريا هاما وملتقى لتجارة أقاليم السودان المحيطة بهذه البلدة بالإضافة إلى مركزها الخطير كمعبر تجاري بين مصر والسودان، الأمر الذي أضفى عليها وعلى سكانها من العبابدة دورا هاما لعبوه باقتدار طوال التاريخ.
وفي ضوء هذه الأوضاع التي وجد العبابدة أنفسهم فيها ببلدة بربر وما حولها من حيث الموقع الوسيط سوف نحاول أن نتتبع تطور دورهم التجاري من عام ١٨٢٠ وحتى قرب نهاية القرن التاسع عشر.
ففي عهد محمد علي جرى تكليف مشايخ العبابدة بحراسة القوافل التجارية المارة بهم بالإضافة إلى مهمات الحكومة التي كانت تتطلبها الإدارة المصرية بأقاليم السودان.
ويمكن أن نصف العلاقة بين العبابدة وحكومة مصر طوال الفترة محل الدراسة بأنها كانت - بشكل عام - بين مد وجزر. فتارة نجدها في أبهى صورة لها طالما كانت التجارة وأدوات الحكومة ورجالها في أمان وسلام وهم يعبرون الصحراء الشرقية ما بين مصر والسودان وطالما التزمت الحكومة بتعهداتها تجاههم، وتارة أخرى يسودها التوتر إذا ما حدثت حادثة نهب أو سطو على التجارة أو حاول أحد زعماء العبابدة أن يفرض لنفسه شروطا جديدة أو حاول أن يكون له نفوذ كبير عبر هذا الطريق يعلو فوق قبضة الحكومة.
وتبدأ هذه العلاقة منذ عهد إسماعيل كامل الذي فتح سنار حيث كافأ خدمات العبابدة له بالتأكيد على الحقوق الامتيازية التي كانوا قد حصلوا عليها من حيث مرافقة القوافل عبر طريق الصحراء الشرقية. كذلك فقد منحهم امتياز جمع
(١) تقرير هولرويد الوارد بتقرير بورنج بكتاب الدكتور محمد فؤاد شكري: بناء دولة مصر محمد علي. ص ٥٥٦.