ويمكن تفسير شكوى التجار الأوروبيين من الحكومة بأنها حلقة في سلسلة الضغوط على الحكومة ومحاولة تدخلهم في شئونها سواء في مصر أو في السودان في عهد إسماعيل تمهيدا للسيطرة ثم الاحتلال. فتدخل غوردون لصالح التجار الأوروبيين يقيم الدليل على ذلك ولا سيما إذا علمنا كذلك أنه رشح للعمل في السودان من جانب أمير بريطانيا حتى يستطيع تنفيذ سياسة بريطانيا في المنطقة وإن أخذ مجيئه إلى السودان مع باقي الموظفين الأوروبيين شكل معاونة الخديو إسماعيل في حكم السودان ومقاومة تجارة الرقيق التي تبنتها إنجلترا لخدمة مصالحها. فصراخ التجار في ذلك الوقت وطلب استخدام موظفين أوروبيين على موانئ سواحل البحر الأحمر الغربي كان خطوة في الوثوب للسيطرة على هذه المنطقة .. منطقة القرن الأفريقي وما جاورها نظرا لأهميتها الإستراتيجية ومواجهة بعض هذه الموانئ لمنطقة عدن التي سيطرت عليها إنجلترا … فكل هذه الصراخات من جانب التجار كان تمهيدا للاحتلال أو كما يقولون Flag Follows Merchants.
أما المشكلة الثانية المتعلقة بأمن التجارة والتجار فلم تقف الحكومة إزاءها مكتوفة الأيدي، بل راحت تبذل الكثير لراحة التجار والمسافرين. ففي يولية عام ١٨٦٥ طلب من حكمدار السودان تأمين هذه الطرق، والقيام بإعدام الأشخاص الذين تم القبض عليهم بتهمة ارتكاب حوادث السلب، وإرسال البعض الآخر إلى جهات جنوب السودان.
كما بعث المسئولون بمصر في أغسطس عام ١٨٦٦ إلى الشيخ حسين خليفة العبادي متعهد طريق العتمور آنذاك يحثونه على أداء مهمته في حراسة طريق التجارة قائلين له:"إن من أفم الأمور المرغوبة إلينا وأعظم المواد الملتزمة لدينا التي لم نزل نداوم على رعايتها والحض على مزيد ملاحظتها هو تأمين الطرق والمعابر وتسهيل السبل لكل وارد وصادر وصيانة كل تاجر ومسافر حتى لا يضيع لأحد عقال بعير ولا يصاب أحد في نفسه ولا في ماله بقليل أو كثير .. "(١).
(١) دفتر رقم ١٩٢١ - أوامر كرام ص ١٨٩ - صورة الأمر الكريم رقم ٢٣ - بتاريخ ٩ ربيع ثاني سنة ١٢٨٣ هـ. أمر كريم إلى الشيخ حسين خليفة متعهد طريق العتمور. دار الوثائق القومية بالقاهرة.