عَقِيل الجَرْمي طنب المرأة العجوز وابنتها، ولِما أنهن من النساء فقد خجل رد طنبهن عليه وأخذته العزة ولم يحب أن يظهر بمظهر الضعف أمامهن ويطلب الإذن من أمير المساعيد، ومرت الشهور وأجدبت البلاد في فلسطين وقلَّت المراعي وانتقل عرب المساعيد ومعهم بني جَرْم إلى مناطق جديدة بحثًا عن الكلأ والمراعي في مناطق الرابية وغيرها حول نابلس، فسبقت العجور هي وابنتها الظعن وأرادت أن تظهر نفسها لأمير المساعيد كي تُعرِّفه أنها طنيبة شيخ جَرْم بدون علمه، ولحقت بالأمير سليمان والشيخ عَقِيل اللذَيْن سبقا ظعن العرب على عادة الرؤساء أن يتبع الظعن آثارهم، فهم أدرى بمكان الرعي والإقامة، وقد جلس كلاهما تحت ظل بعض الأشجار في الخلاء، ولما قدمت المرأة وابنتها على هيئة غير هيئة نساء المساعيد أو بني جَرْم عرف الأمير المسعودي - وكان رجلًا بالغ الذكاء - أن هذه المرأة غريبة، فسأل صاحبه الجَرْمي عنهن فكان في غاية الحرج والضيق، وقبل أن يجيب أو يكذب بادرت العجوز بالجواب كي تثير الفتنة وقالت: أنا يا أمير المساعيد طنيبة على أمير جَرْم ولم أجد غيره في هذه البلاد ورحب بي ولم يردني أنا وابنتي اليتيمة، فقال الأمير سليمان بحدة: أيتها المرأة ألا تعلمي أن أمير جَرْم هذا بنفسه هو وقومه طُنباء عليَّ وعلى قومي المساعيد والطنيب لا يُطنِّب غيره؟ قالت: العفو والسماح يا أمير أنا وابنتي غرباء عن الديار ولا نعلم شيئًا عن العربان وحسبنا أن بني جَرْم هم أسياد البلاد والبوادي، قال لها الأمير المسعودي: كذب والله من أخبرك بهذا الهُراء. وحتى تزيد الفتنة قالت: أنا من ذا الحين طنيبة في وجهك يا أمير المساعيد وطَنَبي على الجَرْمي مردود عليَّ، فلما سمع شيخ بني جَرْم هذا القول من المرأة شعر بالهوان والمذلة أمام المرأتين، وانسحب من أمام أمير المساعيد يملؤه الخزي والعار لما أنه كسر الشرط والعهد معه أن لا يجير أحدا من البشر إلا بعلم سابق منه، وثانيًا أنه كشف عن فعلته القناع بطريقة لا يتوقعها ولا يدري عنها ولا يحسب أنها مقصودة ومُخطط لها من القبائل المعادية، وهكذا نجحت المؤامرة المدبَّرة وقامت الفتنة بين المساعيد وبني جَرم بعد أن تخاصم الأمير سليمان والشيخ عَقِيل، واندلع القتال بين فرسان المساعيد وفرسان بني جَرمِ، ولم يطل ذلك أكثر من ساعات فقد انتصر المساعيد نصرًا حاسمًا وشتتوا شمل جَرْم ومزقوهم شر ممزق