ونقضوا الحلف معهم، بعد ذلك استجار الشيخ عَقِيل بحاكم غزة أو ما كان يُسمَّى الأغا سنجق ويقال أن اسمه وقتئذ كان (أمين جور) تابع لدولة المماليك (١) في مصر، وكان هذا الحاكم يكره المساعيد وأميرهم كما أسلفنا لامتناعهم عن دفع ضريبة الدولة، فأراد أن يجمع القبائل المعادية للمساعيد مع بني جَرْم ليفرض عليهم الصلح كما يزعم أمام المساعيد وهو يكن شيئًا آخر ويضمر حقدًا ويتأهب للغدر بهم، فأرسل الحاكم إلى الأمير سليمان بن عمرو المسعودى يطلب منه الحضور للصلح بمعرفة الدولة الممثلة فيه، ولما توجه الأمير سليمان إلى قصر الحاكم ومقر الحكم في ديوان السلطة للبت في أمر التصالح وجد خيولًا عربية وليست مملوكة للحكومة، فعرف أنها لشيوخ قبائل من فلسطين تجمعوا على يد الحاكم، وأيقن أن هؤلاء هم المدبرون للفتنة من البداية، وهم الآن يدُسُّون للحاكم الضغط على المساعيد، مستغلين بغضه له ولقومه المساعيد، فكره الصلح والجلوس في حضرة الوالي ما دام هؤلاء الأعداء يُدبرون له ولقومه الدسائس، وأن الصلح لن ينفع وسيصبح امتهانًا له أمام الحاكم الذي أفسد رأيه هؤلاء، فقرر أن يقهر هؤلاء الرجال ويظهر بمظهر القوة وأنه لا يخشى الحاكم ولا يعمل لهم أي ورن أو مقدار، فأمر رفاقه بالانتظار خارج القصر ودخل ممتطيا جواده بعد أن أخرج الشلفا (حربة) ووضع سنها في بول فرسة أنثى كان يركبها أحد رفاقه بالخارج، ثم أطلق العنان لجواده ولكزه واقتحم على الحاكم ديوانه، فقال له الحاكم لما رآه ممتطيا جواده ولم يُوَقِّر أحدا: انزل يا أمير سليمان كي أصلحك مع بني جَرْم فقال له: يا سلطان لو كان بنو جَرْم هؤلاء وحدهم عندك لجلست للصلح والصفا بيننا، ولكن رجال القبائل الأخرى المعادين والحاقدين علينا وهم الذين دبروا الفتنة موجودون فلن أجلس إلا بعد مشورة جوادي. فقال الحاكم: شاور جوادك بما تريد يا أمير سليمان، فسحب الشلفا (الحربة) ووضعها عند أنف الجواد، فلما أروَّح أو اشتم رائحة البول للفرسة الأنثى بخارج القصر وبعادته الغريزية بدأ يصهل. ويقف على أرجله الخلفية، فقال الحاكم: ماذا جواب حصانك؟ فقال الأمير سليمان المسعودي أن جواده أخبره وقال له: مَسْكني روس الروابي وأداوي عِلَّتي بيدي تبرأ .. ولا
(١) المماليك هم أجناس تركية وجركسية وأرمينية في الأناضول وبلاد التركمان جنوب غرب روسيا وحكموا مصر والشام بعد نهاية الدولة الأيوبية.