إلى العباسيين في بغداد - دفعت تلك السياسة المحبوكة ببني سُلَيْم وأبناء عمومتهم بني هِلَال من هوازن إلى الهجرة الجماعية إلى شمال إفريقية من مصر بقضهم وقضيضهم، فتفذوا - حرفيًا - مخططات هذه السياسة، وطبقوا برامجها بكل دقة وتصميم .. والعربي صريح في ولائه وعدائه .. وقد نال شمال إفريقية منهم عنت بالغ فترة من الزمن، ولكنهم مع ذلك تمكنوا من نشر راية اللغة العربية في بلاد المغرب وإرساء قواعدها بين جماهير من البربر المسلمين.
حادي عشر - وفي أوائل العصر الحديث رأينا جَوَاليَ سَلَميَّة تنزح عائدة من شمال إفريقية إلى مصر، التي سبق لها أن نزحت منها إلى شمال أفريقية في أواسط القرن الخامس الهجري، وقد استقرت - ثانية - هذه الجوالي في مصر واعتبرت من أهلها الأعراب، ولا يزالون مقيمين فيها حتى اليوم.
تلك "خلاصة" وافية لمواطن بني سُلَيْم، ما كان أصليا وما كان فرعيا، في أقطار المعمورة وستأتي التفصيلات.
ومن كل ما ذكر آنفا ندرك مدى نشاط هذه القبيلة التي وصفت منذ عهد الجاهلية بأنها قبيلة عظيمة من قبائل العرب العدنانية، فقد كانوا في الجاهلية والإسلام حركة قوية وذوي نشاط حربي واقتصادي واداري مرموق.
في الجاهلية كانت العرب تُقدِّرهم وتُقدِّر شجاعتهم ومواهبهم، وتفيد من ثرائهم وثراء بلادهم، فتتاجر معهم وتشاركهم في استثمار مزارعهم وتجاراتهم ولذلك لا غرو أن نرى أفرادًا منهم ذوي مكانة بمكة وبغير مكة؛ ولذلك لا بدع أن نرى بعض رجالات العرب يُصهرون إليهم، ويسهمون معهم فيما يسهمون فيه من استثمار معادنهم الذهبية الثرية والإتجار بناتجها الثمين، وديارهم الأصلية في وسط بلاد العرب، ولكنها مع ذلك حصينة حصانة طبيعية، مما مكن لهم وأثل لهم المجد، ووقاهم إلى حد ما من استباحة حماهم، وكانت لهم خيول وافرة، والخيل خير مطايا الحرب في ذلك العهد وإلى عهد غير بعيد.