للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينهض إلى رئيس القبائل القيسية الضحَّاك بن قيس الفهري الأمير في الشام، ويقول له - وهو في طريقه إلى الجابية ليبايع الناس من يرتضونه للخلافة من الأمويين بعدما اتفق مع بني أمية على هذه الخطة - رأينا ثور بن معن السُّلَمي وهو يقول إذ ذاك للضحَّاك: "دعوتنا إلى ابن الزبير فبايعناك على ذلك، وأنت تسير إلى هذا الأعرابي من كلب تستخلف ابن أخته خالد بن يزيد، فقال له الضحَّاك: فما الرأي؟ قال معن: الرأي أن تُظهرَ ما كنا نكتم، وتدعو إلى ابن الزبير (١)، ويبدو أن الضحَّاك - مع ثقوب رأيه ودهائه وحذره - قد تفاعل مع رأي معن، فكان ذلك الإسفينَ الكبير الذي دقته يد الخلافات القَبَلية العارمة في صرح الوحدة الإسلامية بين ناشري لوائه على المعمورة: العرب المسلمين، وقد استمر - فعلًا - تأثيرُ معركة (مرج راهط) التي وقعت بين الفريقين المتخاصمين من العرب على (مُرَشَّحي الخلافة) فسقطت ضحايا منهم بلغت عشرات الألوف على ما يرويه لنا المؤرخون، وكان الأحرى بهم أن يصرفوا هذه القوة الضاربة التي دمرتها أيديهم بسبب خلافاتهم القبلية - في الفتوح الإسلامية، بضرب أعداء الإسلام المحيطين بهم يومئذ في كل مكان، ويذكر لنا ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب) أن رجالًا من قيس عيلان لم يضحكوا بعد يوم المرج حتى ماتوا (مادة الضحَّاك).

وكانت مساهمة بني سُلَيْم الفعَّالة في المعركة السياسية والحربية الدائرة بين عبد الله بن الزبير وأنصاره من جهة، وبين بني أمية وأنصارهم من جهة أخرى، هي الدور الرابع الذي قامت به بنو سُلَيْم على مسرح الأحداث الإسلامية.

ومن بعد الدور السابق يأتي الدور الخامس، وكان هذا الدور اقتصاديا سياسيا مزدوجًا سببه المباشر أو غير المباشر ما لاحظه هشام بن عبد الملك ولاحظه من قبله عبد العزيز بن مروان من أن القحطانيين في القطر المصري كانوا أغلبية العرب في مصر وأن القيسية أي العدنانية في مصر كانوا قلة، مما أفقد عرب مصر التوازن بين العنصرين الرئيسيين اللذين يتألف منهما الشعب العربي (٢). وهكذا


(١) الكامل في التاريخ، لابن الأثير، ص ١٤٧، المجلد الرابع، طبع دار صادر - دار بيروت في بيروت.
(٢) تعليقات الدكتور عبد المجيد عابدين، على كتاب البيان والإعراب، ص ١٠٠. ويقول المقريزي: أن نزول سُلَيْم بمصر كان سنة ١٠٩ هـ، وكان أمير مصر يومئذ، الوليد بن رفاعة الفهمي من قيس عيلان، ولم يكن قبل ذلك التاريخ بأرض مصر أحد من قيس إلا من كان من فهم وعدوان. وقد كتب عبيد الله بن الحبحاب الذي ولاه هشام مصر كتابًا ضمنه هذا المعنى، وأشار عليه بأن ينقل إلى مصر من قيس أبياتًا فأذن =

<<  <  ج: ص:  >  >>