للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة - أميُرها - يومئذ محمدَ بن صالح بن العباس الهاشمي، فوجه إليهم حماد بن جرير الطبري، وكان الواثق بالله الخليفة العباسي في بغداد قد علم بعَبْثِ هؤلاء الأعراب حول المدينة، فوجه حمَّادًا هذا في قوة مسلحة للمدينة لئلا يتَطرقها الأعراب، وكان معه ٢٠٠ فارس من الشاكرية (١)، فتوجه حماد إلى بني سُلَيْم في جماعة من الجند ومن المتطوعين للخروج معه من قريش والأنصار ومواليهم وغيرهم من أهل المدينة، وسار إليهم فلقيته طلائعهم، وكانت بنو سُلَيْم كارهة للقتال، فأمر حماد بقتالهم، وحمل عليهم بالروُّيثة: موضع على ثلاث مراحل بين مكة والمدينة - وكان بنو سُلَيْم وأمدادهم من البادية (٦٥٠) رجلًا، وكان قُوَّادُهم: أشهَبَ بن دُوَيْكل بن يحيى بن حمْيَر العوفي من علَّاق بنو عوف بن بُهْثَة بن سُلَيْم، وعَمُّه سَلَمَةُ بن يحيى، وعَزْيزةُ بنُ قطَّاب اللبدي من بني لبيد من سُلَيْم، وكانت خيلهم (١٥٠) فرسًا، وجاءت إلى بني سُلَيْم أمداد أخرى بلغت (٥٠٠) رجل سُلَمي، وافَوْهُمَ في موضع يُسمى "أعلى الرويثة" بينه وبين موضع القتال - الذي هو "الرويثة" - أربعة أميال، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزمت سودان المدينة بالناس، وثبت حمَّاد بن جرير الطبري وصحبه وقريش والأنصار، وقُتِلَ حَمَّادٌ قائد الجيش العباسي، وعامة أصحابه ومن ثبت معه من قريش والأنصار، وحازت سُلَيْم الكراع والسلاح والثياب، وغلظ أمرهم فاستباحوا القرى والمناهل فيما بين المدينة ومكة، حتى امتنع سلوك ذلك الطريق على الناس، ولم يكتف بنو سُلَيْم بعدوانهم على الطريق العام، بل تطرقوا من يليهم من قبائل العرب، وبلغ الأمر الواثقَ بالله فاهتم به، فوجه إليهم "بغا الكبير" أبا موسى التركي في الشاكرية والأتراك والمغاربة، وقدم بغا المدينة في شعبان من السنة المذكورة، وشخص إلى حَرَّة بني سُلَيْم لأيَّام بقين من شعبان، ليخضد شوكة بني سُلَيْم وكان على مقدمته طردوش التركي، فلقيهم ببعض مياه الحرَّة، وكانت الوقعة الفاصلة بينه وبينهم بشق الحرَّة من وراء السوارقية التي هي قرية من قراهم والتي كانوا يأوون إليها - والسوارقية حُصُونٌ - وكان أغْلَبَ من لقيه بغا منهم، بَنُو عوف، وفيهم عُزيزة بن قطَّاب والأشهب اللذان هما رأسا القُوَّاد يومئذ، وقَتَل بغا منهم نحوًا من (٥) رجلًا وأسر مثلهم، فانهزمت بقيتهم وانكشفوا، ثم أمنهم بغا على حكم أمير المؤمنين الواثق، وأقام بالسوارقية فأتوه واجتمعوا لديه، وهربت خفاف من بني


(١) الشاكرية: الأُجراء والمستخدمون، معرب "جاكر" الفارسية، القاموس المحيط مادة شكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>